[ ص: 369 ] فصل ( في ) . العلاج وحفظ الصحة بدفع كل شيء بضده
واعلم أن الأصل في العلاج وفي حفظ الصحة وقوة البدن دفع ضرر شيء بمقابله كالبارد بالحار والرطب باليابس وبالضد لما في ذلك من التعديل ودفع ضرر كل كيفية أو أكثر بما يقابلها ومن هذا ما في الصحيحين عن رضي الله عنهما قال { عبد الله بن جعفر } . وعن : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء قالت : أرادت أمي أن تسمنني لدخولي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أقبل عليها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثاء بالرطب فسمنت عليه كأحسن السمن . رواه عائشة أبو داود . وابن ماجه
والرطب حار رطب في الثانية يقوي المعدة الباردة ويوافقها ويزيد في الباءة ويغذو وهو معطش ، مكدر للدم ، مصدع ، مولد للسدد ، ووجع المثانة يضر بالأسنان ، سريع التعفن ، قال بعضهم : هذا فيمن لم يعتده ، والقثاء بارد رطب في الثانية أو الثالثة يسكن الحرارة والصفراء والعطش ، يقوي المعدة فيدفع ضرره بتمر أو عسل أو نحوه وكيموسه رديء مستعد للعفونة ، ويهيج حميات صعبة لذهابه في العروق ، وهو منعش للقوى مدر للبول موافق للمثانة .
وفي معنى هذا عن قالت { عائشة : } رواه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البطيخ بالرطب ، يقول يدفع حر هذا برد هذا أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن غريب . والمراد بالبطيخ في هذا البطيخ الأخضر ، وهو بارد رطب في الثانية نافع للأمراض الحادة والحميات المحرقة والأمزجة الملتهبة ويسكن العطش مع السكنجبين . ويدر البول ويغسل المثانة ، وماؤه مع السكر أبلغ في التبريد وهو يسيء الهضم ويضر بالمشايخ والأمزجة الباردة ويفجج الأخلاط ، ويصلح السكر والعسل ونحوه معه أو عقبه قال بعضهم : يؤكل قبل الطعام . ويتبع به وإلا غثي وقيأ ، قال بعض الأطباء : هو قبل الطعام يغسل البطن غسلا ، ويذهب بالداء أصلا . [ ص: 370 ]
وفي البطيخ أحاديث لا تصح وأكثرها أو كلها موضوعة ، وقد ذكر القشيري أو عن الإمام أبو عبد الرحمن السلمي أنه كان لا يأكل البطيخ ; لأنه لا يعرف كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكله ، ومثل هذا لا يصح عن أحمد ، ولا يعرفه أصحابه . أحمد
وأما البطيخ الأصفر فبارد في أول الثانية رطب في آخرها ، قال ابن جزلة : هذا قول الأكثر .
وقال بعضهم : إنه حار وهو مبرد يدر ويقطع ويجلو وينفع من حصي الكلى والمثانة الصغار ، ويرخي الأحشاء ، وربما عرضت منه الهيضة ويثور المرة الصفراء ، وأي خلط صادفه في المعدة استحال إليه وينبغي أن يؤكل بعده السكنجبين ونحوه كالرمان الحامض وأن يؤكل بين طعامين قال بعضهم : أو يخلط بالطعام وإذا فسد صار كالسم فلا يترك ويتقى ، وليحذر البطيخ من كانت به حمى وهو يصفي ظاهر البدن يقلع البهق والكلف والوسخ خصوصا إن دق بزره ونخل واستعمل غسولا . وقشره يلزق على الجبهة فيمنع النوازل إلى العين ودرهمان من أصله يحرك القيء بلا عنف ، قال بعضهم : وإذا كان البطيخ في بيت لا يختمر فيه العجين أصلا وبذر البطيخ حار رطب في الثانية يقوي المعدة ويزيد في المني ويكثر الجماع ويقوي عليه ، وقشر البطيخ إذا يبس كان صالحا لجلاء الآنية من الزهومة قال أبقراط : قشره إذا جفف ورمي مع اللحم أنضجه بخاصته .
ولأحمد وأبي داود والترمذي وقال حسن غريب عن { أنس } . : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم يكن رطبات فتمرات فإن لم يكن تمرات حسا حسوات من ماء
ورواه وصححه الترمذي أيضا عن سلمان بن عامر مرفوعا : { } ومعلوم أن الصوم يخلي المعدة من الغذاء فتضعف الكبد والقوى ، والحلو تجذبه القوى وتحبه فتقوى به سريعا ، فإن لم يكن فالماء يطفئ حرارة الصوم ولهب المعدة فتأخذ الغذاء بشهوة ، ذكر هذا المعنى بعض أصحابنا المتأخرين ، وهو يوافق قول من يقول : إن غير [ ص: 371 ] التمر من الحلو كالتمر في ذلك ولا يقدم عليه الماء ، وهو قول بعض الشافعية ، ويتوجه بمثله احتمال نظرا إلى المعنى المذكور ، ويكون خطاب الشارع لأهل إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور المدينة وعلى كل فالمنصوص عليه أولى من غيره .
وعن مرفوعا : { عائشة } رواه كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان ، ويقول : بقي ابن آدم حتى أكل الحديث بالعتيق ابن ماجه وقال هو وغيره : هذا حديث منكر رواه والنسائي بمعناه وفيه { البزار : إن الشيطان يحزن بدل الغضب } ومدار حديث هذا على عائشة أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس متكلم فيه ، وقد أنكر الأئمة عليه هذا الحديث وغيره ، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ، والمراد : كلوا هذا مع هذا فالباء بمعنى مع قال بعض أطباء : الإسلام أمر بذلك ; لأن البلح بارد يابس والتمر حار رطب ففي كل منها إصلاح للآخر ، ولم يأمر بأكل البسر مع التمر ; لأن كلا منهما حار .
قال أهل اللغة : أول التمر طلع ثم خلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر الواحدة بلحة وبسرة ، وقد أبلح النخل وأبسر أي : صار ما عليه بلحا وبسرا قال الأطباء : البلح بارد يابس في الثانية يغزر البول ، وشرابه يعقل الطبع خاصة مع شراب قابض ويمنع النزف والسيلان والبواسير ويدبغ الفم واللثة والمعدة ، والإكثار من أكله يوقع في النافض والقشعريرة وينفخ خاصة إذا شرب الماء على أثره ، وتدفع مضرته بالتمر أو العسل ، ويضر بالصدر والرئة ويصلحه البنفسج المربى بعده وهو بطيء في المعدة يسير التغذية قالوا : والبسر حار في الأولى يابس في الثانية وقيل : بارد يابس في الثانية ، والحلو منه يميل إلى الحرارة وفيه قبض وكذلك طبيخه يحبس الطبع ويسكن اللهث مع حفظ الحرارة الغريزية . والأخضر منه أشد حبسا للطبع ويدبغ المعدة وينفع اللثة والفم .
قاله بعضهم وقال بعضهم : مضر بالفم والأسنان عسر الهضم ويولد ريحا وسدادا ويصلحه السكنجبين الساذج ومن ذلك { أنه عليه السلام كان يشرب نقيع التمر إذا أصبح ويومه ذلك وعشاء } ، ودعاه في عرسه وامرأته [ ص: 372 ] وهي العروس خادمهم ، وكانت أنقعت لهم تمرات في تور فلما أكل سقته وإياه ، وفي لفظ فلما فرغ من الطعام أماثته فسقته تخصه بذلك . أبو أسيد الساعدي
وذلك في الصحيحين : { } وفي السنن من حديث إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء { أبي سعيد } " امقلوه " اغمسوه ليخرج الشفاء كما خرج الداء ، يقال للرجلين : هما يتماقلان إذا تغاطى في الماء ، وفي الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه وهي كالسلاح فإذا سقط فيما يؤذيه ألقاه بسلاحه ، وذكر غير واحد من الأطباء أن لسع الزنبور والعقرب إذا دلك موضعه بالذباب نفع منه نفعا بينا ، وسكنه لما فيه من الشفاء ، وإذا دلك به الورم الذي يخرج في شعر العين المسمى شعيرة بعد قطع رأس الذباب أبرأه . فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء