[ ص: 100 ] فصل ( في أنواع الاستفراغ القيء أسبابه وعلاجه ) . 
عن معدان بن أبي طلحة  عن  أبي الدرداء  رضي الله عنه { أن النبي  صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ فلقيت  ثوبان  في مسجد دمشق  فذكرت ذلك فقال : صدق أنا صببت له وضوءه    } . 
ورواه جماعة منهم الترمذي  وقال : هذا أصح شيء في هذا الباب . 
الاستفراغات خمسة    : الإسهال ، وإخراج الدم ، وقد سبق ذلك والقيء ، إما بالغلبة فلا يجوز حبسه إلا إذا أفرط وخيف منه فيقطع بما يمسكه ، وإما بالاستدعاء فأنفعه عند الحاجة . 
وسبب القيء صفراء أو بلغم أو ضعف المعدة في ذاتها فلا تهضم وتقذف الطعام إلى فوق أو يخالطها خلط رديء فيسيء هضمها أو زيادة مأكول أو مشروب لا تحتمله المعدة ، أو كراهتها لهما ، فتطلب دفعه ، ويحصل فيها ما يثور الطعام بكيفيته وطبيعته فيقذف به ، أو قرف يغثي النفس ، أو عرض نفساني كهم وحزن يشغل الطبيعة عن تدبير البدن به فتقذفه المعدة ، وقد يكون لأجل تحرك الأخلاط عند تخبط النفس ، فإن كل واحد من النفس والبدن ينفعل عن صاحبه ، أو نقل الطبيعة بأن يرى من يتقيأ فيغلب القيء ، فإن الطبيعة نقالة . 
واعلم أن القيء في بلد حار وزمن حار أنفع لرقة الأخلاط وانجذابها إلى فوق ، وبلد وزمن بارد يغلظ الخلط ، ويصعب جذبه ، والإسهال أنفع . 
وإزالة الخلط تكون بالجذب والاستفراغ ، والجذب يكون من أبعد الطرق والاستفراغ من أقربها ; لأن المادة إن كانت عاملة في الانصباب أو الترقي لم تستقر بعد فهي محتاجة إلى الجذب ، فإن كانت متصاعدة جذبت من أسفل ، وإن كانت منصبة جذبت من فوق ، وأما إذا استقرت في موضعها استفرغت من أقرب الطرق إليها ، فمتى أضرت المادة بالأعضاء العليا اجتذبت من أسفل ، ومتى أضرت بالأعضاء السفلى اجتذبت من فوق ، ومتى استقرت  [ ص: 101 ] استفرغت من أقرب مكان إليها ، ولهذا كان  عليه السلام يحتجم تارة على كاهله وقدمه وفي رأسه ، فالقيء يستفرغ من أعلى المعدة ويجذب من أسفل والإسهال بالعكس . 
قال أبقراط    : وينبغي أن يكون الاستفراغ في الصيف من فوق أكثر من الاستفراغ بالدواء وفي الشتاء من أسفل . 
والقيء ينقي المعدة ويقويها ويحد البصر ويزيل ثقل الرأس وينفع من قروح الكلى والمثانة واليرقان والأمراض المزمنة كرعشة وفالج وجذام واستسقاء ، ويستعمله الصحيح في الشهر مرتين من غير حفظ دور ليتدارك الثاني ما قصر عنه الأول ، وينقي فضلة انصبت بسببه ، ويضر الإكثار منه المعدة ويجعلها قليلة الفضول ويضر بالأسنان والسمع والبصر وربما صدع ، ويجب أن يتنبه من به ورم في الحلق أو ضعف في صدر أو دقيق الرقبة أو مستعد لنفث الدم أو عسر الإجابة . أما فعل بعض من يسيء التدبير وهو أن يمتلئ طعاما ، ثم يقذف به فإنه يعجل الهرم ويوقع في أمراض رديئة ويجعل القيء له عادة والقيء مع اليبوسة وضعف الأحشاء وهزل المراق أو ضعف المستقي خطر وأحمد أوقاته الصيف والربيع . 
ولا ينبغي أن يتعرض في الخريف إلى القيء فإنه يجلب الحمى من ساعته ، وليكن الميل فيه إلى تسكين الأخلاط مهما أمكن . وأما الشتاء فإنه يحتمل الخطأ في التدبير والإكثار من الأغذية ، وليتوق فيه الإسهال المفرط . 
وينبغي عند القيء عصب العينين وقمط البطن وغسل الوجه بماء بارد إذا فرغ ، وأن يشرب عقبه شراب التفاح مع يسير من مصطكى وماء ورد ، وذكر عبد العزيز الطبيب  أنه إذا خيف من القيء بعكس البخار إلى الدماغ فليكن في بعض الحالات قال : ويقوم مقامه شراب الليمون بكرة النهار . 
( والرابع ) من الاستفراغات استفراغ الأبخرة  [ ص: 102 ] 
( الخامس ) الاستفراغ بالعرق لا يقصد غالبا بل الطبيعة تدفعه إلى ظاهر الجسد فيصادف المسام مفتحة فيخرج منها . وعرق الإنسان مائية الدم خالطها صديد مراري وهو أنضج من البول إذا كان من فضل رطوبة بعد الهضم الأخير ، والبول من فضل الهضم الثاني وفيه تحليل ، وعرق المصارعين ينفع من ورم الأنثيين ويحلله ويابس عرقهم الذي قد خالطه تراب موضع الصراع مع دهن الحنا يجعل على أورام الثدي فيطفئ لهيبها ، وإذا ضمدت به الدملة أنضجها . 
				
						
						
