المسألة الثالثة والعشرون : قوله : { بالله    } 
وهذا نص من كتاب الله في ترك التغليظ بالألفاظ . 
والذي أقول : إنه إن كان الحالف كافرا  كما تقدم في سرد الأقوال والروايات ، وقلنا بالتغليظ فلا يقال له في التغليظ قل : بالله الذي لا إله إلا هو ; لأنهم لا يقرون بها . وعلى إقرارهم على هذا الإنكار بذلوا الجزية ، ولكنهم يحلفون ، كما روى أبو داود  وغيره { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود    : أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى    } ، وتغلظ عليهم بالمكان في كنائسهم وبالزمان بعد صلاتهم ، كما تقدم  [ ص: 245 ] ذكره في قصة دقوقاء    ; فإن الغرض من هذا التغليظ كله زجر الحالف عن الباطل ، والرجوع إلى الحق ، ورهبته بما يحل من ذلك ، حتى يكون ذلك داعية للانكفاف عن الباطل والرجوع إلى الحق ، وهو معنى : { ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها    } . 
وقد حققنا هذا الغرض ، فقلنا : إن الله سبحانه ما غلظ في كتابه يمينا ، إنما قال : فيقسمان بالله . وقال تعالى : { قل إي وربي إنه لحق    } . وقال مخبرا عن خليله : { وتالله لأكيدن أصنامكم    } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت   } . 
ولكن قد روى  البخاري  أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو لتعلمن أني رسول الله حقا   } . 
وروى  النسائي  وأبو داود  أن { خصمين أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمدعي : البينة . قال : يا رسول الله ، ليس لي بينة . فقال للآخر : احلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عليك شيء ، أو ما له عندك شيء   } . 
وتغليظ العدد في اللعان ، وهو التكرار ، وفي القسامة مثله . 
وزعم  الشافعي  أنه رأى ابن مازن  قاضي صنعاء  يحلف بالمصحف ويؤثر أصحابه ذلك عن  ابن عباس  ، ولم يصح . 
وأما التغليظ بالحال  فروي عن  مطرف  وابن الماجشون  وبعض أصحاب  الشافعي  أنه يحلف قائما مستقبل القبلة . 
وروى  ابن كنانة  عن  مالك    : يحلف جالسا . 
والذي عندي  أنه يحلف كما يحكم عليه بها إن قائما فقائما ، وإن جالسا فجالسا ; إذ لم يثبت في أثر ولا نظر اعتبار قيام أو جلوس .  [ ص: 246 ] 
وتغليظ المكان  كما قلنا في مسائل الخلاف 
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من حلف على منبري بيمين كاذبة فليتبوأ مقعده من النار   } . 
فقيل : أراد أن يبين الحال ; لأنه مقطع الحقوق . وقيل : أراد أن يخبر عن قوم عاهدوا وحلفوا على المنبر للناس ثم غدروا . 
وروي أن  عبد الرحمن بن عوف  رأى رجلا يحلف بين الركن والمقام فقال : أعلى دم أو على مال عظيم ؟ فدل ذلك على أنه عندهم من المستقر في الشرع ألا يحلف هنالك إلا على ما وصف ، فكل مال تقطع فيه اليد ، وتسقط فيه حرمة العضو فهو عظيم . 
				
						
						
