الآية التاسعة : والعاشرة ، والحادية عشرة :
قوله تعالى : { فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم [ ص: 276 ] وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا } .
فيها سبع مسائل :
المسألة الأولى : روى ، عن سعيد بن جبير أنه قال : من أراد أن يعلم جهل ابن عباس العرب فليقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام إلى قوله تعالى : { قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم } .
وهذا الذي قاله رضي الله عنه كلام صحيح ، فإنها تصرفت بعقولها القاصرة في تنويع الحلال والحرام سفاهة بغير معرفة ولا عدل ; والذي تصرفت بالجهل فيه من اتخاذ آلهة أعظم جهلا وأكبر جرما ; فإن الاعتداء على الله أعظم من الاعتداء على المخلوقين .
والدليل على أن الله تعالى واحد في ذاته ، واحد في صفاته ، واحد في مخلوقاته أبين وأوضح من الدليل على أن هذا حلال ، وهذا حرام .
وقد روي أن رجلا قال : إنكم على كمال عقولكم ووفور أحلامكم كنتم تعبدون الحجر . فقال لعمرو بن العاص عمرو : تلك عقول كادها باريها
المسألة الثانية : هذا الذي أخبر الله تعالى عنه من العرب وجهلها أمر أذهبه الله تعالى بالإسلام ، وأبطله ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وكان من الظاهر لنا أن نميته حتى لا [ ص: 277 ] يظهر ، وننساه حتى لا يذكر [ إلا ] أن ربنا تبارك وتعالى ذكره بنصه ، وأورده بشرحه ، كما ذكر كفر الكافرين به . وكانت الحكمة في ذلك والله أعلم أن قضاءه قد سبق ، وحكمه قد نفذ ، بأن الكفر والتخليط لا ينقطعان إلى يوم القيامة ، وقد قضى الله ألا يصد كافر عن ذكر الكفر ، ولا مبتدع عن تغيير الدين ، قصده ببيان الأدلة ، ثم وفق من سبق له عنده الخير فيسر له معرفتها ، فآمن وأطاع ، وخذل من سبق له عنده الشر فصدفه عنها ، فكفر وعصى { سخافة ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة } فتعين علينا أن نشير إلى بسط ما ذكر الله تعالى من ذلك وهي
المسألة الثالثة : قوله تعالى : { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث } أي : أظهر بالخلق والإيجاد من الحرث والأنعام نصيبا ، وجميعه له لا شريك معه في خلقه ، فكيف جعلوا له شريكا في القربان به من الأوثان التي نصبوها للعبادة معه ، وشر العبيد كما يأتي [ بيانه ] في الأثر من أنعم عليه سيده بنعمة فجعل يشكر غيره عليها ، وكان هذا النصيب الذي للأوثان جعلوه لله من الحرث مصروفا في النفقة عليها وعلى خدامها ، وكذلك نصيب الأنعام أنهم كانوا يجعلونها قربانا للآلهة .
وقيل : كان لله البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وكان ما جعلوه لله إذا اختلط بأموالهم لم يردوه ، وإذا اختلط ما للأوثان بها ردوه وذلك قوله : { فما كان لشركائهم } الآية .
وقيل : كان ذلك إذا هلك ما جعلوه لله لم يغرموه ، وإذا هلك ما جعل للأوثان غرموه .
وقيل : كانوا يذكرون اسم الأوثان على نصيب الله ، ولا يذكرون الله على نصيب الأوثان ، وهي : [ ص: 278 ]
المسألة الرابعة : فإن مذموم منهم وفيهم ; فكان ذلك أصلا في ترك أكل ما لم يسم الله عليه . تركهم لذكر اسم الله