وقال أبو حنيفة : إنما ذلك فيما يكون حال الطلق ، فأما قبل ذلك فلا ; واحتجوا بأن الحمل عادة وأن الغالب فيه السلامة . والشافعي
قلنا : كذلك أكثر المرض الغالب عليه السلامة ، وقد يموت من لم يمرض ، ولكن أخذا بظاهر الحال كذلك في مسألتنا .
وبالجملة فإن إنكار مرض الحامل عناد ظاهر ، فإذا ثبت هذا فقد حمل العلماء عليه المحبوس في قود أو قصاص ، وحاضر الزحف . [ ص: 357 ]
وأنكره الإمامان المذكوران وغيرهما ، فإذا استوعبت النظر لم ترتب في أن المحبوس على القتل أشد حالا من المريض ، وإنكار ذلك غفلة في النظر ; فإن سبب الموت موجود عندهما ، كما أن المرض سبب الموت ، وقد قال سبحانه : { ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون }
وهي : الآية الثانية والعشرون في الأحكام من غير السورة ، وذكرت هاهنا لاقتضاء القول إياها ، وإنما رأوا أسبابه ، وكذلك قال رويشد الطائي :
يا أيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت وقل لهم بادروا بالعذر والتمسوا
قولا يبرئكم إني أنا الموت
الآية الثالثة والعشرون في الأحكام من غير السورة اقتضاها القول هاهنا : { إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا }
فكيف يقول الشافعي : إن الحالة الشديدة إنما هي المبارزة ، وقد أخبر الله عن منازلة العدو ، وتداني الفريقين بهذه الحالة العظمى من بلوغ القلوب الحناجر ، ومن سوء الظنون بالله ، ومن زلزلة القلوب واضطرابها ، هل هذه الحال ترى على المريض أم لا ؟ فهذا كله لا يشك فيه منصف . وأبو حنيفة
قال علماؤنا : هذا لمن ثبت في اعتقاده ، وجاهد في الله حق جهاده وشاهد الرسول وآياته ، فكيف بنا ؟ وإنما هو عندنا خبر من الأخبار لم يعرفه إلا الأحبار ، ولا [ ص: 358 ] قدره حق قدره إلا الأخيار ، وهذا كله يعرفكم قدر على سائر العلماء في النظر ، ويبصركم استداده على سواء الفكر . مالك