وقد قال : أبو حنيفة : فزاد الفقر على النص ، والزيادة عنده على النص نسخ ، ولا يجوز نسخ القرآن إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر . لا يعطي القرابة إلا أن يكونوا فقراء
فأما فاحتج بأن ذلك جعل لهم عوضا عن الصدقة . مالك
وقد قال قوله : { عمر بن عبد العزيز فأن لله خمسه وللرسول } يعني في سبيل الله .
وهذا هو الصحيح كله .
والدليل عليه ما روي في الصحيح { نجد ، فأصابوا في سهمانهم اثني عشر بعيرا ، ونفلوا بعيرا بعيرا } . أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية قبل
وثبت عنه عليه السلام أنه قال في أسارى بدر : { المطعم بن عدي حيا وكلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له } . لو كان
وثبت عنه أنه رد سبي هوازن وفيه الخمس .
[ ص: 404 ] وثبت في الصحيح عن قال : { عبد الله بن مسعود حنين أناسا في الغنيمة ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل ، وأعطى عيينة مائة من الإبل ، وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة ، فقال رجل : والله إن هذه القسمة ما عدل فيها ، أو ما أريد بها وجه الله . فقلت : والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم . فأخبرته ، فقال : يرحم الله أخي موسى ، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر } . آثر النبي صلى الله عليه وسلم يوم
وفي الصحيح : { } . إنما أنا قاسم ، بعثت أن أقسم بينكم فالله حاكم ، والنبي قاسم ، والحق للخلق
وصح عن { رضي الله عنه أنه قال : كان لي شارف من نصيبي يوم علي بدر ، وأعطاني رسول الله شارفا من الخمس } .
وروى وغيره ، عن مسلم قال : { عبد المطلب بن ربيعة ، ربيعة بن الحارث ، فقالا : والله لو بعثنا هذين فقالا لي ، والعباس بن عبد المطلب : اذهبا إلى رسول الله فكلماه يؤمنكما على هذه الصدقة ، فأديا ما يؤدي الناس ، بشراء مما يصيب الناس ، فبينما هما في ذلك إذ دخل وللفضل بن عباس ، فوقف عليهما ، فذكرا ذلك له ، فقال علي بن أبي طالب : لا تفعلا ، فوالله ما هو بفاعل . فابتدأه علي فقال : والله ما هذا إلا نفاسة منك علينا ، فوالله لقد نلت صهر رسول الله فما نفسناه عليك . فقال ربيعة بن الحارث : أنا علي أبو حسن القوم أرسلوهما ، فانطلقا ، واضطجع ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة ، فقمنا عندها حتى جاء ، فأخذ بآذاننا ، ثم قال : أخرجا ما تصرران ثم دخل ، ودخلنا عليه ، وهو يومئذ عند علي قال : فتزايلنا الكلام ، ثم تكلم أحدنا ، فقال : يا رسول الله ; أنت أبر الناس [ ص: 405 ] بشراء الناس ، وقد بلغنا النكاح ، فجئناك لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات ، فنؤدي إليك ما يؤدي الناس ، ونصيب كما يصيبون . قال : فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه . قال : وجعلت زينب بنت جحش زينب يزال إلينا من وراء الحجاب ألا تكلماه . ثم قال : إن الصدقة لا تحل لآل محمد ; إنما هي أوساخ الناس ، ادعوا لي محمية وكان على الخمس ، . قال : فجاءاه . فقال ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب لمحمية : أنكح هذا الغلام ابنتك يعني لي ، فأنكحه . وقال للفضل بن عباس : أنكح هذا الغلام بنتك يعني لي ، فأنكحني . وقال لنوفل بن الحارث لمحمية : أصدق عنهما من مال الخمس كذا وكذا . } وفي رواية أنه قال لهما : { اجتمع } إن الصدقة أوساخ الناس ، ولكن انظروا إذا أخذت بحلقة الجنة ، هل أوثر عليكم أحدا ؟
وقد قال أصحاب : خمس الخمس للرسول ، والأربعة أخماس من الخمس للأربعة أصناف المسمين معه ، وله سهم كسائر سهام الغانمين إذا حضر الغنيمة ، وله سهم الصفي يصطفي سيفا أو خادما أو دابة . الشافعي
فأما سهم القتال فبكونه أشرف المقاتلين ، وأما سهم الصفي فمنصوص له في السير ، منه ذو الفقار ، وصفية ، وغير ذلك .
وأما خمس الخمس فبحق التقسيم في الآية .
قال الإمام الفاضل أبو بكر بن العربي رضي الله عنه : قد بينا الرد عليه ، وأوضحنا أن الله إنما ذكر نفسه تشريفا لهذا المكتسب ، وأما رسوله فقد قال : { } . إنما أنا قاسم ، والله المعطي
وقال : { } [ ص: 406 ] وقد أعطى جميعه وبعضه ، وأعطى منه للمؤلفة قلوبهم ، وليسوا ممن ذكر الله في التقسيم ، ورده على المجاهدين بأعيانهم تارة أخرى ; فدل على أن ذكر هذه الأقسام بيان مصرف ومحل ، لا بيان استحقاق وملك ; وهذا ما لا جواب عنه لمنصف . ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم
وأما الصفي فحق في حياته ، وقد انقطع بعد موته إلا عند ، فإنه رآه باقيا للإمام ، فجعله مجعل سهم النبي ، وهذا ضعيف ; والحكمة فيه أن الجاهلية كانوا يرون للرئيس في الغنيمة ما قال الشاعر : أبي ثور
لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول
فكان يأخذ بغير شرع ولا دين الربع من الغنيمة ; ويصطفي منها ، ثم يتحكم بعد الصفي في أي شيء أراد ، وكان ما شذ منها له ، وما فضل من خرثي ومتاع ; فأحكم الله الدين بقوله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } وأبقى سهم الصفي لرسوله ، وأسقط حكم الجاهلية ، ومن أحسن من الله حكما أو أوسع منه علما .المسألة الخامسة : ادعى المقصرون من أصحاب أن الشافعي : في كفاية أولاده ونسائه ، ويدخر من ذلك قوت سنته ، ويصرف الباقي إلى الكراع والسلاح ; وهذا فاسد من وجهين : أحدهما أن الدليل قد تقدم على أن الخمس كله لرسوله بقوله صلى الله عليه وسلم : { خمس الخمس كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفه } . ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس ، والخمس مردود فيكم
الثاني : ما ثبت في الصحيح عن قال : قال : بينا أنا جالس عند مالك بن أوس بن الحدثان أتاه حاجبه عمر يرفأ ، فقال : هل لك في عثمان ، [ ص: 407 ] وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير يستأذنون ؟ قال : نعم . فأذن لهم ، فدخلوا فسلموا وجلسوا ، ثم جلس وسعد بن أبي وقاص يرفأ يسيرا ، ثم قال : هل لك في علي وعباس ؟ قال : نعم ، فأذن لهما فدخلا فسلما وجلسا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، اقض بيني وبين هذا ، وهما يختصمان فيما أفاء الله على رسوله من العباس بني النضير . فقال الرهط عثمان وأصحابه : يا أمير المؤمنين ، اقض بينهما ، وأرح أحدهما من الآخر . فقال : يا تيد ، كم أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { عمر } يريد رسول الله نفسه . قال الرهط : قد قال ذلك . فأقبل لا نورث ما تركنا صدقة ؟ على عمر علي وعباس فقال : أنشدكما بالله تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك ؟ قالا : نعم . قال : فإني أحدثكم عن هذا الأمر : إن الله قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره ، قال : { عمر وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } . فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : والله ما اختارها دونكم ، ولا استأثر بها عليكم ، قد أعطاكموها ، وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال ، ثم يأخذ ما بقي ، فيجعله مجعل مال الله .
فهذا حديث قال فيه : إن مالك بن أوس بني النضير كانت لرسول الله ينفق منها على أهله نفقة سنتهم .
وفي حديث في الصحيح : { عائشة خيبر وفدك وصدقته بالمدينة } ; فأما صدقته ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فدفعها إلى عمر علي وعباس . وأما خيبر وفدك فأمسكهما ، وقال : هما صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرها إلى من ولي الأمر بعده . عمر
فقد ثبت أن خيبر وفدك وبني النضير كانت لقوت رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه وعياله [ ص: 408 ] سنة ، ولحقوقه ونوائبه التي تعروه ، لا خمس الخمس الذي ادعاه أصحاب . الشافعي
وهذا نص لا غبار عليه ولا كلام لأحد فيه .