فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى : في : قال سبب نزولها : حتى يثخن في الأرض ، وذلك يوم ابن عباس بدر ، والمسلمون قليل ، فلما كثروا قال الله : { فإما منا بعد وإما فداء } ، فخيرهم الله تعالى ، وهكذا قال كثير من المفسرين بعده .
وعن عبد الله قال : لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبو بكر : يا رسول الله ; قومك وأهلك ، فاستبقهم لعل الله أن يتوب عليهم . قال : يا رسول الله ; كذبوك وأخرجوك ، قدمهم واضرب أعناقهم . وقال عمر : يا رسول الله ; انظر واديا كثير الحطب فأدخلهم فيه ، ثم أضرمه عليهم نارا . فقال له عبد الله بن رواحة : قطعت رحمك . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم ، ثم دخل ، فقال ناس : يأخذ بقول العباس أبي بكر . وقال ناس : يأخذ بقول . وقال ناس : يأخذ بقول عمر . [ ص: 431 ] ثم خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن الله ليلين قلوب قوم حتى تكون ألين من اللين ، ويشد قلوب قوم حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا عبد الله بن رواحة أبا بكر مثل إبراهيم إذ قال : { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } . ومثل عيسى حين قال : { إن تعذبهم فإنهم عبادك } . ومثلك يا مثل عمر نوح إذ قال : { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } . ومثل موسى إذ قال : { ربنا اطمس على أموالهم } ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم اليوم عالة فلا يفلتن رجل منهم إلا بفداء أو ضربة عنق . فقال عبد الله : يا رسول الله ، إلا سهيل بن بيضاء ، فإني سمعته يذكر الإسلام . فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا سهيل ابن بيضاء } . رواه ما تقولون في هؤلاء الأسرى ؟ فقال الترمذي مختصرا عن أقوال أبي بكر وعمر وابن رواحة
، ورواه عن مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عمر بن الخطاب لأبي بكر : ما ترون ؟ قال وعمر أبو بكر : يا نبي الله ، هم بنو العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية ، فتكون لنا قوة على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم للإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ترى يا ابن الخطاب ؟ قلت : والله يا رسول الله ، ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم ، فتمكن من عليا فيضرب عنقه ، وتمكنني من فلان نسيب عقيل بأحال فأضرب عنقه ; فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها . فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت . فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت : يا رسول الله ; أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة من رسول الله [ ص: 432 ] صلى الله عليه وسلم } . لما أسروا الأسرى
فأنزل الله : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إلى قوله : { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحل الله الغنيمة لهم ، وأنزل الله : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ، تريدون عرض الدنيا يعني الفداء ، والله يريد الآخرة يعني إعزاز الدين وأهله ، وإذلال الكفر وأهله .
المسألة الثانية : روى عبيدة السلماني عن أن علي جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، فخيره بين أن يقرب الأسارى فيضرب أعناقهم ، أو يقبلوا منهم الفداء ، ويقتل منكم في العام المقبل بعدتهم .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { هذا جبريل يخبركم أن تقدموا الأسارى فتضربوا أعناقهم ، أو تقبلوا منهم الفداء ، ويستشهد منكم في العام المقبل بعدتهم } .
فقالوا : يا رسول الله ; بل نأخذ الفداء فنقوى على عدونا ، ويقتل منا في العام المقبل بعدتهم ، ففعلوا .
المسألة الثالثة : قال ، ابن وهب وابن القاسم عن : كان مالك ببدر أسارى مشركون ، فأنزل الله : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } وكانوا يومئذ مشركين ، ففادوا ورجعوا ، ولو كانوا مسلمين لأنابوا ولم يرجعوا ، وكان عدة من قتل أربعة وأربعين رجلا ، ومثلهم أسرى ، وكان الشهداء قليلا .
وقال : إن القتلى كانوا سبعين والأسرى كذلك . أبو عمرو بن العلاء
وكذلك قال [ ص: 433 ] ، ابن عباس ، ويشهد له قوله : { وابن المسيب أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها } .
وأنشد أبو زيد الأنصاري : لكعب بن مالك
فأقام بالعطن المعطن منهم سبعون عتبة منهم والأسود
وإنما قال : وكانوا مشركين ، ولو كانوا مسلمين لأقاموا ولم يرجعوا ; لأن المفسرين رووا أن مالك قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني مسلم . العباسوفي رواية لهم : إن الأسرى قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : آمنا بك وبما جئت به ولننصحن لك على قومنا ، فنزلت : { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى } ، قال : افتديت بأربعين أوقية ، وقد آتاني الله أربعين عبدا ، وإني لأرجو المغفرة . العباس
وهذا كله ضعفه ، واحتج على إبطاله بما ذكر من رجوعهم إلى موضعهم ، وزيادة عليه أنهم غزوه يوم مالك أحد .