المسألة الثانية عشرة : شرط الله تعالى هذين الوصفين ، وهما عن يد وهم صاغرون } ; للفرق بين ما يؤدى عقوبة وهي الجزية ، وبين ما يؤدى طهرة وقربة وهي الصدقة ، حتى قال النبي [ ص: 482 ] صلى الله عليه وسلم : { قوله : { } . اليد العليا خير من اليد السفلى
واليد العليا هي المعطية ، واليد السفلى هي السائلة " ; فجعل يد المعطي في الصدقة عليا ، وجعل يد المعطي في الجزية صاغرة سفلى ، ويد الآخذ عليا ، ذلك بأنه الرافع الخافض ، يرفع من يشاء ويخفض من يشاء ، وكل فعل أو حكم يرجع إلى الأسماء حسبما مهدناه في الأمد الأقصى " .
فإن قيل ; وهي : المسألة الثالثة عشرة : إذا ; هل هذا إلا كالرضا به ؟ فالجواب أنا نقول : في ذلك وجهان من الحكمة : أحدهما : أن في أخذها معونة للمسلمين وتقوية لهم ، ورزق حلال ساقه الله إليهم . الثاني : أنه لو قتل الكافر ليئس من الفلاح ووجب عليه الهلكة ; فإذا أعطى الجزية وأمهل لعله أن يتدبر الحق ، ويرجع إلى الصواب ، لا سيما بمراقبة أهل الدين ، والتدرب بسماع ما عند المسلمين ; بذل الجزية فحقن دمه بمال يسير مع إقراره على الكفر بالله
ألا ترى أن عظيم كفرهم لم يمنع من إدرار رزقه [ ص: 483 ] سبحانه عليهم .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : { } . لا أحد أصبر على أذى من الله ، يعافيهم ويرزقهم ، وهم يدعون له الصاحبة والولد
وقد بين علماء خراسان هذه المسألة ، فقالوا : إن العقوبات تنقسم إلى قسمين .
أحدهما : ما فيه هلكة المعاقب .
والثاني : ما يعود بمصلحة عليه ، من زجره عما ارتكب ، ورده عما اعتقد وفعل .