[ ص: 15 ] سورة البقرة اعلموا وفقكم الله أن علماءنا قالوا : إن هذه السورة من أعظم سور القرآن    ; سمعت بعض أشياخي يقول : فيها ألف أمر ، وألف نهي ، وألف حكم ، وألف خبر ، ولعظيم فقهها أقام  عبد الله بن عمر  ثماني سنين في تعلمها ، وقد أوردنا ذلك عليكم مشروحا في الكتاب الكبير في أعوام ، وليس في فضلها حديث صحيح إلا من طريق  أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا تجعلوا بيوتكم مقابر وإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان   } خرجه الترمذي    . 
وعدم الهدى وضعف القوى وكلب الزمان على الخلق بتعطيلهم وصرفهم عن الحق ، والذي حضر الآن من أحكامها في هذا المجموع تسعون آية : الآية الأولى : قوله تعالى : { الذين يؤمنون بالغيب    } فيها مسألتان : المسألة الأولى : { يؤمنون    } : قد بينا حقيقة الإيمان  في كتب الأصول ، ومنها تؤخذ المسألة الثانية : حقيقة الغيب واختلاف العلماء فيه    : قوله : { بالغيب    } . 
وحقيقته ما غاب عن الحواس مما لا يوصل إليه إلا بالخبر دون النظر ، فافهموه . 
 [ ص: 16 ] وقد اختلف العلماء فيه على أربعة أقوال : الأول : ما ذكرناه كوجوب البعث ، ووجود الجنة ونعيمها وعذابها والحساب . 
الثاني : بالقدر . 
الثالث : بالله تعالى . 
الرابع : يؤمنون بقلوبهم الغائبة عن الخلق لا بألسنتهم التي يشاهدها الناس ، معناه : ليسوا بمنافقين ، وكلها قوية إلا الثاني والثالث فإنه يدرك بصحيح النظر ، فلا يكون غيبا حقيقة ، وهذا الأوسط ، وإن كان عاما فإن مخرجه على الخصوص . 
والأقوى هو الأول ; أنه الغيب الذي أخبر به الرسول عليه السلام مما لا تهتدي إليه العقول ، والإيمان بالقلوب الغائبة عن الخلق ، ويكون موضع المجرور على هذا رفعا ، وعلى التقدير الأول يكون نصبا ، كقولك : مررت بزيد ، ويجوز أن يكون الأول مقدرا نصبا ، كأنه يقول : جعلت قلبي محلا للإيمان ، وذلك الإيمان بالغيب عن الخلق . 
وكل هذه المعاني صحيحة لا يحكم له بالإيمان ولا بحمى الذمار ، ولا يوجب له الاحترام ، إلا باجتماع هذه الثلاث ; فإن أخل بشيء منها لم يكن له حرمة ولا يستحق عصمة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					