الآية السادسة قوله تعالى : وعلامات وبالنجم هم يهتدون } {
فيها ثلاث مسائل : [ ص: 128 ]
المسألة الأولى : قال : من النجوم ما يكون علامات ، ومنها ما يهتدون به . مجاهد
وقال : خلق الله هذه النجوم لثلاث خصال : جعلها الله زينة للسماء ، وجعلها يهتدون بها ، وجعلها رجوما للشياطين . فمن تعاطى منها غير ذلك سفه رأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نفسه ، وتكلف ما لا علم له به . قتادة
وقد بينا في كتب الأصول وشرح الحديث تحقيق ذلك وتبيانه .
المسألة الثانية : قوله : { وبالنجم } : فيه ثلاثة أقوال :
الأول : أن الألف واللام للجنس . والمراد به جمع النجوم [ ولا يهتدي بها إلا العارف ] .
الثاني : أن المراد به الثريا .
الثالث : أن المراد به الجدي والفرقدان .
فأما جميع النجوم فلا يهتدي بها إلا العارف بمطالعها ومغاربها ، والمفرق بين الجنوبي والشمالي منها ; وذلك قليل في الآخرين .
وأما الثريا فلا يهتدي بها إلا من يهتدي بجميع النجوم ، وإنما الهدي لكل أحد بالجدي والفرقدين ; لأنهما من النجوم المنحصرة المطلع ، الظاهرة السمت ، الثابتة في المكان فإنها تدور على القطب الثابت دورانا محصلا ، فهي أبدا هدي الخلق في البر إذا عميت الطرق ، وفي البحر عند مجرى السفن ، وعلى القبلة إذا جهل السمت ، وذلك على الجملة بأن تجعل القطب على ظهر منكبك الأيسر ، فما استقبلت فهو سمت الجهة ، وتحديدها في الإبصار أنك إذا نظرت الشمس في اليوم الرابع والعشرين من كانون الأول طالعة فاجعل بين وجهك وبينها في التقدير ذراعا ، وتكون مستقبلا [ ص: 129 ] للكعبة على التقريب ، سالكا إلى التحقيق .
وقد بينا ذلك في كتب الفقه وشرح الحديث .
المسألة الثالثة ومن الناس من قال : إنها يهتدى بها في الأنواء ، فإن الله قدر المنازل ، ونزل فيها الكواكب ، ورتب لها مطالع ومغارب ، وربط بها عادة نزول الغيث ، وبهذا عرفت العرب أنواءها ، وتنظرت سقياها ، وأضافت كثرة السقيا إلى بعض ، وقلتها إلى آخر .
ويروى في الأثر أن قال عمر : كم بقي لنوء الثريا ؟ فقال له : إن للعباس العرب تقول : إنها تدور في الأفق سبعا ، ثم يدر الله الغيث ، فما جاءت السبع حتى غيث الناس .
وفي الموطإ : إذا نشأت بحرية ، ثم تشاءمت فتلك عين غديقة .
ومن البلاد ما يكون مطرها بالصبا ، ومنها ما يكون مطرها بالجنوب ، ويزعم أهلها أن ذلك إنما يدور على البحر ، فإذا جرت الريح ذيلها على البحر ألقحت السحاب منه ، وإذا جرت ذيلها على البيداء جاءت سحابا عقيما ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أنا لا نمنع ذلك في قدرة الله ; فإن ربنا قادر على أن ينشئ الماء في السحاب إنشاء ، وهو قادر على أن يسيب له ماء البحر الملح ويصعده بعد أن كان مستفلا ، ويحلولي بتدبيره ، وقد كان ملحا ، وينزله إلينا فراتا عذبا ; ولكن تعيين أحد الوجهين لا يكون بنظر ; لأنه ليس في العقل لذلك أثر ، وإنما طريقه الخبر ، فنحن نقول : هو جائز ، ولو أخبر به الصادق لكان واجبا .
الثاني : أن الشمال تسميها العرب المجرة ; لأنها تمخر السحاب ، ولا تمطر معها ، وقد تأتي بحرية وبرية ، فدل هذا على أن الأمر موقوف على المشيئة ; وأنه لا يخبر عن الآثار العلوية إلا السنة النبوية ، لا العقول الأرسطاليسية .
فإن قيل : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أجمعت عليه الأئمة : { } . قال [ ص: 130 ] الله تعالى : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب ، فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب
قلنا : إنما خرج هذا على قول العرب التي كانت تعتقد أن ذلك من تأثير الكواكب لجاهليتها .
وأما من اعتقدها وقتا ومحلا وعلامة ينشئه الله فيها ويدبره عليها فليس من الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى .
وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف ، وسيأتي إن شاء الله .