الآية السابعة قوله تعالى : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين } . {
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : قوله : { وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه } : فجاء الضمير بلفظ التذكير عائدا على جمع مؤنث .
وأجاب العلماء عن ذلك بستة أجوبة : الأول : قال : سيبويه العرب تخبر عن الأنعام بخبر الواحد ، وما أراه عول عليه إلا في هذه الآية . وهذا لا يشبه منصبه ، ولا يليق بإدراكه .
الثاني : قال : معناه نسقيكم مما في بطون ما ذكرنا ، وهذا تقدير بعيد لا يحتاج إليه . الكسائي
الثالث : قال الفراء : الأنعام والنعم واحد ، والنعم مذكر ، ولهذا تقول العرب : هذا نعم وارد ، فرجع إلى لفظ النعم الذي هو معنى الأنعام ، وهذا تركيب طويل مستغنى عنه .
[ ص: 131 ] الرابع : قال أيضا : إنما يريد نسقيكم مما في بطون بعضه ، وهو الذي عول عليه الكسائي أبو عبيدة ، فإنه قال : معناه نسقيكم مما في بطون أيها كان له لبن منها .
الخامس : أن التذكير إنما جيء به لأنه راجع على ذكر النعم ; لأن اللبن للذكر منسوب ; ولذلك قضى النبي صلى الله عليه وسلم بأن اللبن للفحل حين { رضي الله عنها في حديث أفلح أخي عائشة أبي القعيس ; فقالت : إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل . فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : إنه عمك فليلج عليك } . أنكرته
بيان منه صلى الله عليه وسلم لأن اللبن للمرأة سقي ، وللرجل إلقاح ، فجرى الاشتراك بينهما فيه .
وقد بيناه في كتب الخلاف وشرح الحديث ، فلينظر هنالك إن شاء الله .
السادس : قال القاضي الإمام أبو بكر : إنما يرجع التذكير إلى معنى الجمع ، والتأنيث إلى معنى الجماعة ، فذكر في آية النحل باعتبار لفظ الجمع المذكر ، وأنث في آية المؤمن باعتبار تأنيث لفظ الجماعة ، وينتظم المعنى بهذا التأويل انتظاما حسنا .
والتأنيث باعتبار الجماعة والتذكير باعتبار الجمع أكثر في القرآن واللغة من رمل يبرين ومها فلسطين .
المسألة الثانية : نبه الله على عظيم القدرة بين حمرة الدم وقذارة الفرث ، وقد جمعهما وعاء واحد ، وجرى الكل في سبيل متحدة ، فإذا نظرت إلى لونه وجدته أبيض ناصعا خالصا من شائبة الجار ، وإذا شربته وجدته سائغا عن بشاعة الفرث ، يريد لذيذا ، وبعضهم قال سائغا ، أي لا يغص به ، وإنه لصفته ، ولكن [ ص: 132 ] التنبيه إنما وقع على اللذة وطيب المطعم ، مع كراهية الجار الذي انفصل عنه في الكرش ، وهو الفرث القذر . وهذه قدرة لا تنبغي إلا للقائم على كل شيء بالمصلحة . بخروج اللبن خالصا من بين الفرث والدم