المسألة الرابعة : تعلق علماؤنا بهذه الآية في مسألة من مسائل الخلاف ; وهي المماثلة في القصاص  ، وهو متعلق صحيح وعموم صريح ; وقد اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال : الأول : أنه لا قود إلا بحديدة ; قاله  أبو حنيفة  وغيره ، واحتجوا بالحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا قود إلا بحديدة ولا قود إلا بالسيف   } . 
الثاني : أنه يقتص منه بكل ما قتل ، إلا الخمر وآلة اللواط قاله  الشافعي    . 
الثالث : قال علماؤنا : يقتل بكل ما قتل إلا في وجهين وصفتين : أما الوجه الأول : فالمعصية كالخمر واللواط . 
 [ ص: 162 ] وأما الوجه الثاني : فالسم والنار لا يقتل بهما . 
قال علماؤنا : لأنه من المثل ; ولست أقوله ; وإنما العلة فيه أنه من العذاب . 
وقد بلغ  ابن عباس  أن  عليا  حرق ناسا ارتدوا عن الإسلام ; فقال  ابن عباس    : لم أكن لأحرقهم بالنار ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {   : لا تعذبوا بعذاب الله   } ، ولقتلتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من بدل دينه فاقتلوه   } ، وهو الصحيح . 
والسم نار باطنة نعوذ بالله من النارين ، ونسأل الله تعالى الشهادة في سبيله . 
وأما الوصفان فروى ابن نافع  عن  مالك    : إن كانت الضربة بالحجر مجهزة قتل بها ، وإن كانت ضربات فلا ، وقال  مالك  أيضا : ذلك إلى الولي . 
وروى  ابن وهب  يضرب بالعصا حتى يموت ، ولا يطول عليه . وقاله ابن القاسم    . 
 [ ص: 163 ] وقال  أشهب    : إن رجي أن يموت بالضرب ضرب ، وإلا أقيد منه بالسيف . وقال عبد الملك    : لا يقتل بالنبل ولا بالرمي بالحجارة ; لأنه من التعذيب . واتفق علماؤنا على أنه إذا قطع يده ورجله وفقأ عينه قصد التعذيب فعل ذلك به ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بقتله الرعاء حسبما روي في الصحيح ، وإن كان في مدافعة ومضاربة قتل بالسيف . 
والصحيح من أقوال علمائنا أن المماثلة واجبة ، إلا أن تدخل في حد التعذيب فلتترك إلى السيف ، وإلى هذا يرجع جميع الأقوال . 
وأما حديث  أبي حنيفة  ، فهو عن الحسن  عن أبي بكر  عن النبي صلى الله عليه وسلم ; ولا يصح لوجهين بيناهما في شرح الحديث الصحيح ، وكذلك حديث  عبد الله بن عمر  رضي الله عنه في شبه العمد بالسوط والعصا لا يصح أيضا . 
والذي يصح ما رواه  مسلم  ، وغيره ، { عن علقمة بن وائل  عن أبيه قال : إني لقاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجل يقود آخر بنسعة . فقال : يا رسول الله ; هذا قتل أخي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقتلته ؟ فقال : إنه لو لم يعترف لأقمت عليه البينة . قال : نعم ، قتلته . قال : كيف قتلته ؟ قال : كنت أنا وهو نحتطب من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته .   } 
وروى أبو داود    : { ولم أرد قتله . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل لك من شيء تؤدي عن نفسك ؟ فقال : ما لي مال إلا كسائي وفأسي . قال : فترى قومك يشترونك ؟ قال : أنا أهون على قومي من هذا . قال : فرمى إليه بنسعته ، وقال : دونك صاحبك ، فانطلق به الرجل ; فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن قتله فهو مثله فرجع ، فقال : يا رسول الله ، بلغني أنك قلت كذا وأخذته بأمرك قال : أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك ؟ قال : لعله . قال : بلى . قال : فإن ذاك كذلك . قال : فرمى بنسعته وخلى سبيله   } . 
 [ ص: 164 ] والحديث مشكل وقد بيناه في شرح الحديث الصحيح ، والذي يتعلق به من مسألتنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب عليه القتل ، وقد قتل بالفأس . 
وروى الأئمة { أن يهوديا رضخ رأس جارية على أوضاح لها ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف فرض رأسه بين حجرين   } اعتمادا للمماثلة وحكما بها . 
				
						
						
