[ ص: 433 ] سورة الفرقان فيها إحدى عشرة آية الآية الأولى قوله تعالى : { لولا أنزل عليه ملك فيكون معه نذيرا وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } .
فيها ثلاث مسائل : المسألة الأولى : عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكله الطعام ; لأنهم أرادوا أن يكون الرسول ملكا ، وعيروه بالمشي في السوق ، فأجابهم الله بقوله : { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } ، فلا ترتب بذلك ولا تغتم به ، فإنها شكاة ظاهر عنك عارها ، وحجة قاهر لك خارها .
وهذا إنما أوقعهم فيه عنادهم ; لأنه لما ظهرت عليهم المعجزة ، ووضحت في صدقه الدلالة لم يقنعهم ذلك ، حتى سألوه آيات أخر سواها وألف آية كآية عند المكذب بها ، وأوقعهم أيضا في ذلك جهلهم حين رأوا الأكاسرة والقياصرة والملوك الجبابرة يترفعون عن الأسواق أنكروا على محمد صلى الله عليه وسلم ذلك ، واعتقدوه ملكا يتصرف بالقهر والجبر ، وجهلوا أنه نبي يعمل بمقتضى النهي والأمر ، وذلك أنهم كانوا يرونه في سوق عكاظ ومجنة العامة ، وكان أيضا يدخل الخلصة بمكة ، فلما أمرهم ونهاهم قالوا : هذا ملك يطلب أن يتملك علينا ، فما له يخالف سيرة الملوك في دخول الأسواق ، وإنما كان يدخلها لحاجته ، أو لتذكرة الخلق بأمر الله ودعوته ، ويعرض نفسه على القبائل في مجتمعهم ، لعل الله أن يرجع إلى الحق بهم .