إن الله سبحانه وتعالى خطط النبي صلى الله عليه وسلم بخططه ، وعدد له أسماءه ، والشيء إذا عظم قدره عظمت أسماؤه قال بعض الصوفية : لله تعالى ألف اسم ، وللنبي ألف اسم .
فأما أسماء الله فهذا العدد حقير فيها ، { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } .
وأما صلى الله عليه وسلم فلم أحصها إلا من جهة الورود الظاهر لصيغة الأسماء البينة ، فوعيت منها جملة ، الحاضر الآن منها سبعة وستون اسما : أولها الرسول ، المرسل ، النبي ، الأمي ، الشهيد ، المصدق ، النور ، المسلم ، البشير ، المبشر ، النذير ، المنذر ، المبين ، العبد ، الداعي ، السراج ، المنير ، الإمام ، الذكر [ ص: 581 ] المذكر ، الهادي ، المهاجر ، العامل ، المبارك ، الرحمة ، الآمر ، الناهي ، الطيب ، الكريم ، المحلل ، المحرم ، الواضع ، الرافع ، المخبر ، خاتم النبيين ، ثاني اثنين ، منصور ، أذن خير ، مصطفى ، أمين ، مأمون ، قاسم ، نقيب ، مزمل ، مدثر ، العلي ، الحكيم ، المؤمن ، الرءوف ، الرحيم ، الصاحب ، الشفيع ، المشفع ، المتوكل ، أسماء النبي محمد ، أحمد ، الماحي ، الحاشر ، المقفي ، العاقب ، نبي التوبة ، نبي الرحمة ، نبي الملحمة ، عبد الله ، نبي الحرمين ، فيما ذكر أهل ما وراء النهر .
وله وراء هذه فيما يليق به من الأسماء ما لا يصيبه إلا صميان .
فأما الرسول :
فهو الذي تتابع خبره عن الله ، وهو المرسل بفتح السين ، ولا يقتضي التتابع . وهو المرسل : بكسر السين ; لأنه لا يعم بالتبليغ مشافهة ، فلم يك بد من الرسل ينوبون عنه ، ويتلقون منه ، كما بلغ عن ربه قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه : { } . وأما النبيء صلى الله عليه وسلم : تسمعون ، ويسمع منكم ، ويسمع ممن يسمع منكم
فهو مهموز من النبأ ، وغير مهموز من النبوة ، وهو المرتفع من الأرض ، فهو صلى الله عليه وسلم مخبر عن الله سبحانه وتعالى ، رفيع القدر عنده ، فاجتمع له الوصفان ، وتم له الشرفان .
وأما الأمي : ففيه أقوال ; أصحها أنه الذي لا يقرأ ولا يكتب ، كما خرج من بطن أمه لقوله تعالى : { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا } ، ثم علمهم ما شاء .
وأما الشهيد :
فهو لشهادته على الخلق في الدنيا والآخرة . قال الله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } . [ ص: 582 ]
وقد يكون بمعنى أنه تشهد له المعجزة بالصدق ، والخلق بظهور الحق .
وأما المصدق : فهو بما صدق بجميع الأنبياء قبله قال الله تعالى : { ومصدقا لما بين يدي من التوراة } .
وأما النور : فإنما هو نور بما كان فيه الخلق من ظلمات الكفر والجهل ، فنور الله الأفئدة بالإيمان والعلم .
وأما المسلم : فهو خيرهم وأولهم ، كما قال : { وأنا أول المسلمين } .
وتقدم في ذلك بشرف انقياده بكل وجه ، وبكل حال إلى الله وبسلامة عن الجهل والمعاصي .
وأما البشير : فإنه أخبر الخلق بثوابهم إن أطاعوا ، وبعقابهم إن عصوا ، قال الله تعالى : { يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان } .
وقال تعالى : { فبشرهم بعذاب أليم } وكذلك المبشر .
وأما النذير والمنذر : فهو المخبر عما يخاف ويحذر ، ويكف عما يؤول إليه ويعمل بما يدفع فيه .
وأما المبين : فما أبان عن ربه من الوحي والدين ، وأظهر من الآيات والمعجزات .
وأما الأمين : فبأنه حفظ ما أوحي إليه وما وظف إليه ، ومن أجابه إلى أداء ما دعاه .
وأما العبد : فإنه ذل لله خلقا وعبادة ، فرفعه الله عزا وقدرا على جميع الخلق ، فقال : { آدم ولا فخر } . أنا سيد ولد
وأما الداعي : فبدعائه الخلق ليرجعوا من الضلال إلى الحق .
وأما السراج : فبمعنى النور ، إذ أبصر به الخلق الرشد .
وأما المنير : فهو مفعل من النور .
[ ص: 583 ] وأما الإمام : فلاقتداء الخلق به ورجوعهم إلى قوله وفعله .
وأما الذكر : فإنه شريف في نفسه ، مشرف غيره ، مخبر عن ربه ، واجتمعت له وجوه الذكر الثلاثة .
وأما المذكر : فهو الذي يخلق الله على يديه الذكر ، وهو العلم الثاني في الحقيقة ، وينطلق على الأول أيضا ، ولقد اعترف الخلق لله سبحانه بأنه الرب ، ثم ذهلوا ، فذكرهم الله بأنبيائه ، وختم الذكر بأفضل أصفيائه ، وقال : { فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر } .
ثم مكنه من السيطرة ، وآتاه السلطنة ، ومكن له دينه في الأرض .
وأما الهادي : فإنه بين الله تعالى على لسانه النجدين .
وأما المهاجر : فهذه الصفة له حقيقة ; لأنه هجر ما نهى الله عنه ، وهجر أهله ووطنه ، وهجر الخلق ; أنسا بالله وطاعته ، فخلا عنهم ، واعتزلهم ، واعتزل منهم .
وأما العامل : فلأنه قام بطاعة ربه ، ووافق فعله واعتقاده .
وأما المبارك : فبما جعل الله في حاله من نماء الثواب ، وفي حال أصحابه من فضائل الأعمال ، وفي أمته من زيادة العدد على جميع الأمم .
وأما الرحمة : فقد قال الله تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } فرحمهم به في الدنيا من العذاب ، وفي الآخرة بتعجيل الحساب ، وتضعيف الثواب ، قال الله تعالى : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } .
وأما الآمر والناهي : فذلك الوصف في الحقيقة لله تعالى ، ولكنه لما كان الواسطة أضيف إليه ; إذ هو الذي يشاهد آمرا ناهيا ، ويعلم بالدليل أن ذلك واسطة ، ونقل عن الذي له ذلك الوصف حقيقة .
[ ص: 584 ] وأما الطيب فلا أطيب منه ; لأنه سلم عن خبث القلب حين رميت منه العلقة السوداء .
وسلم عن خبث القول ، فهو الصادق المصدق .
وسلم عن خبث الفعل ، فهو كله طاعة .
وأما الكريم : فقد بينا معنى الكرم ، وهو له على التمام والكمال .
وأما المحلل والمحرم : فذلك مبين الحلال والحرام ، وذلك بالحقيقة هو الله تعالى ، كما تقدم ، والنبي متولي ذلك بالوساطة والرسالة .
وأما الواضع والرافع : فهو الذي وضع الأشياء مواضعها ، ببيانه ، ورفع قوما ، ووضع آخرين ، ولذلك قال الشاعر يوم حنين حين فضل عليه بالعطاء غيره :
أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع وما كان بدر ولا حابس
يفوقان مرداس في مجمع وما كنت دون امرئ منهما
ومن تضع اليوم لا يرفع
فألحقه النبي صلى الله عليه وسلم في العطاء بمن فضل عنه .
وأما المخبر : فهو النبيء مهموزا . وأما خاتم النبيين : فهو آخرهم : وهي عبارة مليحة شريفة ، تشريفا في الإخبار بالمجاز عن الآخرية ; إذ الختم آخر الكتاب ، وذلك بما فضل به ، فشريعته باقية وفضيلته دائمة إلى يوم الدين .
وأما قوله : ثاني اثنين فاقترانه في الخبر بالله .
وأما منصور : فهو المعان من قبل الله بالعزة والظهور على الأعداء ، وهذا عام في الرسل ، وله أكثر قال الله تعالى : { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون } .
وقال له : اغزهم نمدك ، وقاتلهم نعدك ، وابعث جيشا نبعث عشرة أمثاله . [ ص: 585 ] وأما أذن خير : فهو بما أعطاه الله من فضيلة الإدراك لقيل الأصوات لا يعي من ذلك إلا خيرا ، ولا يسمع إلا أحسنه .
وأما المصطفى : فهو المخبر عنه بأنه صفوة الخلق ، كما رواه عنه أنه قال : { واثلة بن الأسقع إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم } . إن الله اصطفى من ولد
وأما الأمين : فهو الذي تلقى إليه مقاليد المعاني ثقة بقيامه عليها وحفظا منه .
وأما المأمون : فهو الذي لا يخاف من جهته شر .
وأما قاسم : فبما ميزه به من حقوق الخلق في الزكوات والأخماس وسائر الأموال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } . الله يعطي ، وإنما أنا قاسم
وأما نقيب : فإنه فخر بالأنصار على سائر الأصحاب من الصحابة ، بأن قال لها : { } . إذ كل طائفة لها نقيب يتولى أمورها ، ويحفظ أخبارها ، ويجمع نشرها ، { أنا نقيبكم والتزم صلى الله عليه وسلم ذلك للأنصار } ، تشريفا لهم .
وأما كونه مرسلا فببعثه الرسل بالشرائع إلى الناس في الآفاق ممن نأى عنه .
وأما العلي : فبما رفع الله من مكانه وشرف من شأنه ، وأوضح على الدعاوى من برهانه .
وأما الحكيم : فإنه عمل بما علم ، وأدى عن ربه قانون المعرفة والعمل .
وأما المؤمن : فهو المصدق لربه ، العامل اعتقادا وفعلا بما أوجب الأمن له .
وأما المصدق : فقد تقدم بيانه ، فإنه صدق ربه بقوله تعالى ، وصدق قوله بفعله ، فتم له الوصف على ما ينبغي من ذلك .
[ ص: 586 ] وأما الرءوف الرحيم : فبما أعطاه الله من الشفقة على الناس .
قال صلى الله عليه وسلم : { } . لكل نبي دعوة مستجابة ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة
وقال كما قال من قبله : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " .
وأما الصاحب : فبما كان مع من اتبعه من حسن المعاملة وعظيم الوفاء ، والمروءة والبر والكرامة .
وأما الشفيع المشفع : فإنه يرغب إلى الله في أمر الخلق بتعجيل الحساب ، وإسقاط العذاب وتخفيفه ، فيقبل ذلك منه ، ويخص به دون الخلق ، ويكرم بسببه غاية الكرامة .
وأما المتوكل : فهو الملقي مقاليد الأمور إلى الله علما ، كما قال : { } ، وعملا ، كما قال : { لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك } ؟ إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أو إلى عدو ملكته أمري
وأما المقفى : في التفسير فكالعابد . ونبي التوبة : لأنه تاب الله على أمته بالقول والاعتقاد دون تكليف قتل أو إصر . ونبي الرحمة : تقدم في اسم الرحيم . ونبي الملحمة : لأنه المبعوث بحرب الأعداء والنصر عليهم ، حتى يعودوا جزرا على وضم ولحما على وضم .