الآية الثامنة عشرة : قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما } .
فيها ثمان عشرة مسألة :
المسألة الأولى : في لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن } ) : سبب نزولها ( قوله {
وفي ذلك ستة أقوال : الأول : روي عن في الصحيح وغيره : كتاب أنس ، البخاري ، ومسلم والترمذي واللفظ له قال أنس بن مالك : { أم سليم أمي حيسا ، فجعلته في تور ، وقالت لي : يا أنس اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل : بعثت به إليك أمي ، وهي تقرئك السلام ، وتقول لك : إن هذا لك منا قليل يا رسول الله [ ص: 611 ] قال : فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت : إن أمي تقرئك السلام وتقول لك : إن هذا لك منا قليل يا رسول الله ، فقال : ضعه ثم قال : اذهب فادع لي فلانا وفلانا ، ومن لقيت وسمى رجالا فدعوت من سمى ، ومن لقيت . قال : قلت : عددكم كم كانوا ؟ قال : زهاء ثلاثمائة . فقال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا لأنس أنس هات التور قال : فدخلوا حتى امتلأت الصفة والحجرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليتحلق عشرة عشرة ، وليأكل كل إنسان مما يليه قال : فأكلوا حتى شبعوا قال : فخرجت طائفة ودخلت طائفة ، حتى أكلوا كلهم قال : قال لي : يا أنس ، ارفع قال : فرفعت ، فما أدري حين وضعت كان أكثر أم حين رفعت قال : وجلس منهم طوائف يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وزوجته مولية وجهها إلى الحائط ، فثقلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على نسائه ، ثم رجع فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ، فابتدروا الباب ، وخرجوا كلهم ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أرخى الستر ، ودخل ، وأنا جالس في الحجرة ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى خرج علي ، وأنزل الله هذه الآية ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها على الناس : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه } إلى آخر الآية . قال : أنا أحدث الناس عهدا بهذه الآيات ، وحجب نساء النبي صلى الله عليه وسلم أنس } . تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل بأهله ، فصنعت
الثاني : روى عن { مجاهد قالت : كنت آكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيسا ، فمر عائشة فدعاه ، فأكل ، فأصاب أصبعه أصبعي ، فقال حينئذ : لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ; فنزل الحجاب عمر } .
[ ص: 612 ] الثالث : ما روى عروة عن أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إلى المناصع وهو صعيد أفيح ، يتبرزن فيه ، فكان عائشة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : احجب نساءك ، فلم يكن يفعل ، فخرجت عمر سودة ليلة من الليالي ، وكانت امرأة طويلة ، فناداها : قد عرفناك يا عمر سودة ، حرصا على أن ينزل الحجاب قالت : فأنزل الحجاب . عائشة
الرابع : روي عن : أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب ، فقالت ابن مسعود : يا زينب بنت جحش ابن الخطاب ; إنك تغار علينا والوحي ينزل علينا ، فأنزل الله تعالى : { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب } .
الخامس : روى أن هذا كان في بيت قتادة ، أكلوا وأطالوا الحديث ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ويخرج ، ويستحيي منهم ، والله لا يستحيي من الحق . أم سلمة
السادس : روى أن أنس قال : قلت : يا رسول الله ; إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ; فنزلت آية الحجاب . عمر
المسألة الثانية : هذه الروايات ضعيفة إلا الأولى والسادسة ، وأما رواية فباطلة ; لأن الحجاب نزل يوم البناء ابن مسعود بزينب ، ولا يصح ما ذكر فيه .