المسألة الثانية في تحقيق القول : هذه نازلة اختلف الصحابة فيها قديما ، وذلك أن الله تعالى لما افتتح الفتوح على اجتمع إليه من شهد الوقعة واستحق بكتاب الله الغنيمة ، فسألوه القسمة ، فامتنع عمر منها ، فألحوا عليه ، حتى دعا عليهم ، فقال : اللهم اكفنيهم . فما حال الحول إلا وقد ماتوا . [ ص: 187 ] وقال عمر : لولا أن أترك آخر الناس ببانا عمر بين أهلها . ما تركت قرية افتتحت إلا قسمتها
ورأى القسمة كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم الشافعي خيبر ، ورأى أقوالا أمثلها أن يجتهد الوالي فيها . وقد بينا ذلك في شرح الحديث ، وأوضحنا أن الصحيح قسمة المنقول وإبقاء العقار والأرض سهلا بين المسلمين أجمعين ، إلا أن يجتهد الوالي فينفذ أمرا ، فيمضي عمله فيه لاختلاف الناس عليه . وإن هذه الآية قاضية بذلك ; لأن الله تعالى أخبر عن الفيء ، وجعله لثلاث طوائف : مالك المهاجرين ، والأنصار وهم معلومون ، { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } فهي عامة في جميع التابعين والآتين بعدهم إلى يوم الدين ، ولا وجه لتخصيصها ببعض مقتضياتها .
وفي الصحيح { } . أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة وقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني رأيت إخواننا . فقالوا : يا رسول الله ; ألسنا بإخوانك ، فقال : بل أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن إخوانهم كل من يأتي بعدهم . وهذا تفسير صحيح ظاهر في المراد لا غبار عليه .