المسألة السابعة قوله : { وأحصوا العدة    }    : معناه احفظوها ; تقديره احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق ، حتى إذا انفصل المشروط منه وهو الثلاثة قروء في قوله : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء    } حلت للأزواج . 
وهذا يدل على أن العدة هي بالأطهار وليست بالحيض . ويؤكده ويفسره قراءة النبي صلى الله عليه وسلم : لقبل عدتهن . وقبل الشيء بعضه لغة وحقيقة ، بخلاف استقباله فإنه يكون غيره . 
المسألة الثامنة من المخاطب بأمر الإحصاء    ; وفيه ثلاثة أقوال : أحدها أنهم الأزواج . 
الثاني : أنهم الزوجات . 
الثالث : أنهم المسلمون . 
والصحيح أن المخاطب بهذا اللفظ الأزواج ; لأن الضمائر كلها من { طلقتم    }  [ ص: 235 ]   { وأحصوا    } و { لا تخرجوهن    } على نظام واحد يرجع إلى الأزواج ، ولكن الزوجات داخلة فيه بالإلحاق بالزوج ; لأن الزوج يحصي ليراجع ، وينفق أو يقطع ، وليسكن أو يخرج ، وليلحق نسبه أو يقطع . وهذه كلها أمور مشتركة بينه وبين المرأة ، وتنفرد المرأة دونه بغير ذلك . وكذلك الحاكم يفتقر إلى الإحصاء للعدة للفتوى عليها وفصل الخصومة عند المنازعة فيها ; وهذه فوائد الإحصاء المأمور به . 
المسألة التاسعة فيما لا يتم الإحصاء إلا به وهو معرفة أسباب العدة ، ومحلها ، وأنواعها    : فأما أسبابها فأربعة : وهي الطلاق ، والفسخ ، والوفاة ، وانتقال الملك . [ والملك ] والوفاة مذكوران في القرآن ، والفسخ محمول على الطلاق ; لأنه في معناه ، أو هو هو . والاستبراء مذكور في السنة ، وليس بعدة ; لأنه حيضة واحدة ، وسميت مدة الاستبراء عدة لأنها مدة ذات عدد تعتبر بحل وتحريم . 
وأما محلها فهي الحرة والأمة . 
وأما أنواعها فهي أربعة : ثلاثة أقراء ، كما قال الله تعالى في سورة البقرة ، وثلاثة أشهر . ووضع الحمل ، كما جاء في هذه السورة . وسنة كما جاء في السنة ، فهذه جملتها ، وفيها تفاصيل عظيمة باختلاف الأسباب وتعارضها ، واختلاف أحوال النساء ، والتدخل الطارئ عليها ، والعوارض اللاحقة لها ، بيانها في مسائل الفقه . ومحصولها اللائق بهذا الفن الذي تصدينا له أربعة أقسام : القسم الأول : المعتادة . 
القسم الثاني متأخر حيضها لعذر . 
القسم الثالث : الصغيرة . 
القسم الرابع الآيسة . 
فأما المعتادة فعدتها ثلاثة قروء ; وتحل إذا طعنت في الحيضة الثالثة ; لأن الأطهار هي الأقراء ، وقد كملت ثلاثة . 
وأما من تأخر حيضها لمرض ; فقال  مالك  ، وابن القاسم  ، وعبد الله  ، وأصبغ    : تعتد  [ ص: 236 ] تسعة أشهر ، ثم ثلاثة . وقال  أشهب    : هي كالمرضع بعد الفطام بالحيض أو بالسنة ، وقد طلق حبان بن منقذ  امرأته وهي ترضع فمكثت سنة لا تحيض لأجل الرضاع ، ثم مرض حبان  ، فخاف أن ترثه إن مات فخاصمها إلى  عثمان  ، وعنده  علي   وزيد  ، فقالا : نرى أن ترثه ; لأنها ليست من القواعد ، ولا من الصغار ; فمات حبان  ، فورثته ، واعتدت عدة الوفاة . 
ولو تأخر الحيض لغير مرض ولا رضاع  فإنها تنتظر سنة لا حيض فيها : تسعة أشهر ثم ثلاثة ; فتحل ما لم ترتب بحمل ، فإن ارتابت بحمل أقامت أربعة أعوام أو خمسة أوسبعة على اختلاف الروايات عن علمائنا . ومشهورها خمسة أعوام ; فإن تجاوزتها حلت . 
وقال  أشهب    : لا تحل أبدا حتى تنقطع عنها الريبة ; وهو الصحيح ; لأنه إذا جاز أن يبقى الولد في بطنها خمسة أعوام جاز أن يبقى عشرة وأكثر من ذلك . وقد روي عن  مالك  مثله . 
وأما التي جهل حيضها بالاستحاضة  ففيها ثلاثة أقوال : الأول : قال  ابن المسيب    : تعتد سنة ; وهو مشهور قول علمائنا . 
وقال ابن القاسم    : تعتد ثلاثة أشهر بعد تسعة . 
وقال  الشافعي  في أحد أقواله : عدتها ثلاثة أشهر ، وهو قول جماعة من التابعين والمتأخرين من القرويين ، وهو الصحيح عندي . 
وأما المرتابة فقاسها قوم عليها ، والصحيح أنها تبقى أبدا حتى تزول الريبة . 
وأما الصغيرة فعدتها ثلاثة أشهر كيفما كانت حرة ، أو أمة ; مسلمة ، أو كتابية في المشهور عندنا . 
وقال ابن الماجشون    : إن كانت أمة فعدتها شهر ونصف . وقال آخرون : شهران . 
والصحيح أن الحيضة الواحدة تدل على براءة الرحم ، والثانية تعبد ; فلذلك جعلت قرأين على النصف من الحرة على ما تقدم في سورة البقرة ، فانظره هنالك مجردا . 
وأما الأشهر فإنها دليل على براءة الرحم لأجل تقدير المدة التي يخلق الله فيها الولد ، وهذا تستوي فيه الحرة والأمة . ويعارضه أن عدة الوفاة عندهم شهران ، وخمس ليال ، وأجل الإيلاء شهران ، وأجل العنة نصف عام . والأحكام متعارضة .  [ ص: 237 ] 
وأما الآيسة فهي مثلها ، وإذا أشكل حال اليائسة كالصغيرة لقرب السنين وغيرهما من الجهتين فإن عدتها ثلاثة أشهر ، ولا يعتبر بالدم إلا أن ترتاب مع الأشهر فتذهب بنفسها إلى زوال الريبة . 
				
						
						
