المسألة التاسعة : قوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض     } : معناه افعلوا العزل أي اكتسبوه ، وهو الفصل بين المجتمعين عارضا لا أصلا . 
المسألة العاشرة : اختلف العلماء في مورد العزل ومتعلقه على أربعة أقوال : 
الأول : جميع بدنها . فلا يباشره بشيء من بدنه ; قاله  ابن عباس  ، وعائشة  في قول ،  وعبيدة السلماني    . 
الثالث : الفرج ; قالته حفصة  ، وعكرمة  ،  وقتادة  ، والشعبي  ،  والثوري  ، وأصبغ    . 
الرابع : الدبر ; قاله  مجاهد  ، وروي عن عائشة  معناه . 
فأما من قال : إنه جميع بدنها فتعلق بظاهر قوله تعالى : { النساء    } ; وهذا عام فيهن في جميع أبدانهن ، والمروي في الصحيح عن  عائشة  رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب   } . 
وقالت أيضا : { كانت إحدانا إذا كانت حائضا ، أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتزر في فور حيضتها ثم يباشرها   } . 
قالت : { وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه   } ؟ وهذا يقتضي خصوص النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحالة . 
وقد روي عن { بدرة مولاة ابن عباس  قالت : بعثتني  ميمونة بنت الحارث   وحفصة بنت عمر  إلى امرأة ابن عباس  رضي الله عنهم ، وكانت بينهما قرابة من جهة النساء . فوجدت فراشه معتزلا فراشها ، فظننت أن ذلك عن الهجران ، فسألتها فقالت : إذا طمثت اعتزل فراشي ; فرجعت فأخبرتها بذلك فردتني إلى  ابن عباس  وقالت : تقول لك أمك : أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام مع المرأة  [ ص: 226 ] من نسائه وإنها حائض ، وما بينها وبينه إلا ثوب ما يجاوز الركبتين   } . 
وهذا إن صح عن  ابن عباس  فإنما كان ذلك على معنى الراحة من مضاجعة المرأة في هذه الحالة . 
وأما من قال : ما بين السرة إلى الركبة فهو الصحيح ، ودليله { قوله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل عما يحل من الحائض    . فقال : لتشد عليها إزارها ثم شأنه بأعلاها   } . 
وأما من قال : إنه الفرج خاصة فقوله في الصحيح : { افعلوا كل شيء إلا النكاح   } . وأيضا فإنه حمل الآية على حماية الذرائع ، وخص الحكم وهو التحريم بموضع العلة وهو الفرج ; ليكون الحكم طبقا للعلة يتقرر بتقرر العلة إذا أوجبته خاصة ، فإذا أثارت العلة نطقا تعلق الحكم بالنطق وسقط اعتبار العلة ، كما بينا في السعي من قبل ; فإنه كان الرمل فيه لعلة إظهار الجلد للمشركين ; ثم زالت ، ولكن شرعه النبي صلى الله عليه وسلم دائبا يثبت بالقول والفعل مستمرا ، ولذلك أمثلة في الفروع وأدلة في الأصول . 
وأما من قال : الدبر ، فروى المقصرون الغافلون عن  عائشة  رضي الله عنها : " إذا حاضت المرأة حرم حجرها " ، وهذا باطل ذكرناه لنبين حاله . 
وأما من قال : { افعلوا كل شيء إلا النكاح   } ، فمعناه الإذن في الجماع ; ولم يبين محله ، وقوله : { شأنك بأعلاها   } ، بيان لمحله . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					