هكذا قرأها علينا يومئذ ، زاد الأعمش الحميدي وغيره : { الكعبة ، ومعه أبو بكر رضي الله عنه وفي يدها فهر من حجارة ، فلما وقفت عليه أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تر إلا أبا بكر . فقالت : يا أبا بكر ، أين صاحبك ؟ فقد بلغني أنه يهجوني ، فوالله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، والله إني لشاعرة :
مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا
وكانت قريش إنما تسمي النبي صلى الله عليه وسلم مذمما ، ثم يسبونه ، فكان يقول : ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد . [ ص: 402 ]
المسألة الثانية تبت يدا أبي لهب وتب } : اسمه قوله : { عبد العزى ، واسم امرأته العوراء أم جميل ، أخت أبي سفيان بن حرب ، فظن قوم أن هذا دليل على جواز تكنية المشرك ، حسبما بيناه في سورة طه في قوله : { فقولا له قولا لينا } " يعني كنياه على أحد الأقوال .
وهذا باطل ; إنما كناه الله تعالى عند العلماء بمعان أربعة : الأول أنه [ لما ] كان اسمه عبد العزى ، فلم يضف الله العبودية إلى صنم في كتابه الكريم .
الثاني : أنه كان تكنيته أشهر منه باسمه ; فصرح به .
الثالث أن الاسم أشرف من الكنية ، فحطه الله عن الأشرف إلى الأنقص ; إذ لم يكن بد من الخيار عنه ، ولذلك دعا الله أنبياءه بأسمائهم ، ولم يكن عن أحد منهم .
ويدلك على شرف الاسم [ على الكنية ] أن الله يسمي ولا يكني وإن كان ذلك لظهوره وبيانه واستحالة نسبة الكنية إليه لتقدسه عنها .
الرابع أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبه بأن يدخله النار ، فيكون أبا لها ، تحقيقا للنسب ، وإمضاء للفأل والطيرة التي اختار لنفسه [ لذلك ] .
وقد قيل : إن أهله إنما كانوا سموه أبا لهب لتلهب وجهه وحسنه ; فصرفهم الله عن أن يقولوا له : أبو نور ، وأبو الضياء ، الذي هو مشترك بين المحبوب والمكروه وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى اللهب الذي هو مخصوص بالمكروه والمذموم ، وهو النار ، ثم تحقق ذلك فيه بأن جعلها مقره .
المسألة الثالثة مرت في هذه السورة قراءتان : إحداهما قوله : " وأنذر عشيرتك الأقربين . ورهطك منهم المخلصين " . والثانية قوله تعالى : تبت يدا أبي لهب وقد تب .
وهما شاذتان ، وإن كان العدل رواهما عن العدل ، ولكنه كما بينا لا يقرأ إلا بما بين الدفتين واتفق عليه أهل الإسلام .