المسألة الثالثة : قال بعضهم : جاءت هذه الآية لبيان عدد الطلاق    ; وقيل : جاءت لبيان سنة الطلاق    . 
والقولان صحيحان ; فإن بيان العدد بيان السنة في الرد ، وبيان سنة الوقوع بيان العدد . 
وتحقيق هذا القول أن الطلاق كان في الجاهلية فعلا مهملا كسائر أفعالها ، فشرع الله تعالى أمده ، وبين حده ، وأوضح في كتابه حكمه ، وعلى لسان رسوله تمامه وشرحه ، فقال علماؤنا [ رحمة الله عليهم ] : طلاق السنة  ما اجتمعت فيه ثمانية شروط ، بيانها في كتب الفروع : 
أحدها : تفريق الإيقاع ومنع الاجتماع ، تولى الله سبحانه بيانه في هذه الآية ، وهذا يقتضي أن تكون طلقتين متفرقتين ; لأنهما إن كانتا مجتمعتين لم يكن مرتين . 
ورأى  الشافعي  أن جمع الثلاثة مباح ، وذلك يدل عليه قوله تعالى : { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا    } . 
وكذلك يقتضي حديث  ابن عمر  المتقدم سياقه أمرين : 
أحدهما : تفريق الإيقاع . 
والثاني : كيفية الاستدراك بالارتجاع ، وهي أيضا تفسير المراد بالكتاب لقوله : فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء . 
 [ ص: 259 ] المسألة الرابعة : إن هذه الآية عرف فيها الطلاق بالألف واللام ; واختلف الناس في تأويل التعريف على أربعة أقوال : 
الأول : معناه الطلاق المشروع [ مرتان ] ، فما جاء على غير هذا فليس بمشروع ; يروى عن  الحجاج بن أرطاة  والرافضة  قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث لبيان الشرع ، فما جاء على غيره فليس بمشروع . 
الثاني : معناه الطلاق الذي فيه الرجعة مرتان ; وذلك لأن الجاهلية كانت تطلق وترد أبدا ، فبين الله سبحانه أن الرد إنما يكون في طلقتين ، بدليل قوله تعالى : { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان    } . 
الثالث : أن معناه الطلاق المسنون مرتان ; قاله  مالك    . 
الرابع : معناه الطلاق الجائز مرتان ; قاله  أبو حنيفة    . 
فأما من قال : إن معناه الطلاق المشروع فصحيح ; لكن الشرع يتضمن الفرض والسنة والجائز والحرام ، فيكون المعنى بكونه مشروعا أحد أقسام المشروع الثلاثة المتقدمة ، وهو المسنون ; وقد كنا نقول بأن غيره ليس بمشروع ، لولا تظاهر الأخبار والآثار وانعقاد الإجماع من الأمة بأن من طلق طلقتين أو ثلاثا أن ذلك لازم له ، ولا احتفال  بالحجاج  وإخوانه من الرافضة  ، فالحق كائن قبلهم . 
فأما مذهب  أبي حنيفة  في أنه حرام فلا معنى للاشتغال به هاهنا فإنه متفق معنا على لزومه إذا وقع . وقد حققنا ذلك في مسائل الخلاف . 
				
						
						
