المسألة السادسة عشرة : قال : المبارئة المخالعة بمالها قبل الدخول ، والمخالعة إذا فعلت ذلك بعد الدخول ، والمفتدية المخالعة ببعض مالها ، وهذا اصطلاح يدخل بعضه على بعض . مالك
وقد اختلف الناس في ذلك ; فالأكثر أنه يجوز ، وبالكل بأن تزيده على ما لها عليه من مالها المختص بها ما شاءت إذا كان الضرر من جهتها . الخلع بالبعض من مالها
وقال قوم : لا يجوز أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، منهم الشعبي ، ويروى عن وابن المسيب مثله ، ونص الحديث في قصة علي يدل على جواز ثابت بن قيس ، وعموم القرآن يدل على جوازه بأكثر من ذلك لقوله تعالى : { الخلع بجميع ما أعطاها فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فكل ما كان فداء فجائز على الإطلاق .
المسألة السابعة عشرة : قوله تعالى : { فلا تعتدوها } بين تعالى أحكام النكاح والفراق ، ثم قال تعالى : تلك حدودي التي أمرت بامتثالها فلا تعتدوها ، كما بين تحريمات الصيام في الآية الأخرى ، ثم قال : تلك حدودي فلا تقربوها ، فقسم الحدود قسمين : منها حدود الأمر بالامتثال ، وحدود النهي بالاجتناب .
المسألة الثامنة عشرة : احتج مشيخة خراسان من الحنفية على أن المختلعة يلحقها الطلاق بقوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره }
قالوا : فشرع الله سبحانه وتعالى صريح الطلاق بعد المفاداة بالطلاق ; وإنما قلنا بعدها لأن الفاء حرف تعقيب .
[ ص: 266 ] قلنا : معناه فإن طلقها ولم تعتد ، لأنه شرع قبل الابتداء بطلاقين فيكون الابتداء ثالثة ، ولا طلاق بعدها ليكون مرتبا عليها ، ويكون معقبا به ، فالصريح المذكور على سبيل المعاقبة معناه إن لم يكن فداء ولكن كان صريحا ، ودليله أن الله تعالى شرع طلقتين صريحتين ، ثم ذكر بعدهما إمساكا بمعروف أو تسريحا بإحسان ، إما بالترك لتبين ، وإما بالطلقة الثالثة ، فيكون تمليكا للثالثة ; فإن افتدت فلا جناح عليها فيه ، وإن لم تفتد وطلقها كان كذا ، كما أخبر به ، فيكون بيانا لكيفية التصرف فيما بقي من ملك الثالثة .
فإن قيل : حرف الفاء يقتضي الترتيب وقد رتب الصريح على الفداء فلا يعدل عنه ، وذلك أنه تعالى قال : { الطلاق مرتان } ثم قال : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } أي فيما فدت به نفسها من نكاحها بمالها ، ولا بد في ذلك من طلاق فتكون المفاداة طلاقا بمال ، وذلك هو المذكور في قوله تعالى : { الطلاق مرتان } حتى لا يلزمنا ترك القول بالترتيب الذي يقتضيه حرف الفاء ، وعليه يدل مساق الآية ، لأنها سيقت لبيان عدد الطلاق وأحكام الواقع منه ; فبين تعالى أن العدد ثلاث ، وأن الصريح لا يمنع وقوع آخر لقوله تعالى { مرتان } وبين أنه لا يقطع الرجعة بقوله تعالى : { فإمساك بمعروف } ولا إيقاع الثالثة ، لقوله تعالى بعده : { أو تسريح بإحسان } لو لم يذكر الوقوع ببدل ولا حكم ما بعده ، فتبين بقوله تعالى : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } أن جائز ، وطلاق في الجملة ، وأنه لا رجعة بعده ، فإنه لم يذكر بعده رجعة ; فالآية سيقت لبيان جملة ، فيكون الترك بيانا . ثم قال تعالى : { الافتداء بالمال عن النكاح فإن طلقها } فبين أن الصريح يقع بعد الطلاق بمال .
قلنا : هذا تطويل ليس وراءه تحصيل ; إنما قال الله تعالى : { فإمساك بمعروف } بما قد تردد في كلامنا . جملته أن الطلاق محصور في ثلاث ، وأن للزوج فيما دون الثلاثة الرجعة ، وأن الثالثة تحرمها إلى غاية ، وتبين مع ذلك كله تحريم أخذ الصداق [ ص: 267 ] إلا بعد رضا المرأة لما قد استوفى منها واستحل من فرجها ، وأحكم أنه لا حجة له في أن يقول : تأخذ بمقدار متعتي ، وآخذ بما بقي لي ، وأوضح أن للمرأة أن تفك نفسها من رق النكاح بمالها منه ومن غيره ، وسواء أخذه في الأولى أو الثانية ; أو الثالثة ، لقوله تعالى بعد ذكر أعداد الطلاق الثلاث والمرتين والتسريح : { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } كيفما كان الفداء ; فكان بيانا لجواز الفداء في الجملة كلها لا في محل مخصوص منها بأولى أو ثانية أو ثالثة .
جواب آخر : وأما تحريم الرجعة في طلاق الخلع فليس من هذه الآية ، إنما اقتضت الآية تحريمها بالثالثة ، أو بالثلاث ، فأما سقوط الرجعة في المفاداة فمأخوذ من دليل آخر ، وهو حديث النبي صلى الله عليه وسلم في شأن فمعناه وفرقه . ثابت بن قيس
جواب ثالث : أما قولهم : إن الصريح يقع بعد الطلاق ، فنقول : نعم ، ولكن في محله ; ألا ترى أن العدة لو انقضت لم يقع طلاق ثان ، ولا يقع إذا خالعها في الأولى ولا في الثانية .
جواب رابع : قد بينا قبل هذا تقدير الآية ونظم مساقها بما يقتضيه لفظها ، لا بما لا يقتضيه ولا يدل عليه كما فعلوا ; فقارنوا بين الأمرين تجدوا البون بينا إن شاء الله تعالى .