المسألة الثالثة :
أخبرهم سبحانه في هذه القصة عن حكم جرى في زمن موسى عليه السلام هل يلزمنا حكمه أم لا ؟ : [ ص: 38 ] اختلف الناس في ذلك ، والمسألة تلقب بأن ؟ في ذلك خمسة أقوال : الأول : أنه شرع لنا ولنبينا ; لأنه كان متعبدا بالشريعة معنا ، وبه قال طوائف من المتكلمين ، وقوم من الفقهاء ; واختاره شرع من قبلنا من الأنبياء هل هو شرع لنا حتى يثبت نسخه أم لا الكرخي
ونص عليه ابن بكير القاضي من علمائنا .
وقال : هو الذي تقتضيه أصول القاضي عبد الوهاب ومنازعه في كتبه ، وإليه ميل مالك رحمه الله . الشافعي
الثاني : أن التعبد وقع بشرع إبراهيم عليه السلام واختاره جماعة من أصحاب . الشافعي
الثالث : أنا تعبدنا بشرع موسى عليه السلام .
الرابع : أنا تعبدنا بشرع عيسى عليه السلام .
الخامس : أنا لم نتعبد بشرع أحد ، ولا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بملة بشر ، وهذا الذي اختاره . القاضي أبو بكر
وما من قول من هذه الأقوال إلا وقد نزع فيه بآية ، وتلا فيها من القرآن حرفا ; وقد مهدنا ذلك في أصول الفقه ، وبينا أن الصحيح القول بلزوم شرع من قبلنا لنا مما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم عنهم دون ما وصل إلينا من غيره ; لفساد الطرق إليهم ; وهذا هو [ ص: 39 ] صريح مذهب في أصوله مالك
كلها ، وستراها مورودة بالتبيين حيث تصفحت المسائل من كتابنا هذا أو غيره .
ونكتة ذلك أن الله تعالى أخبرنا عن قصص النبيين ، فما كان من آيات الازدجار وذكر الاعتبار ففائدته الوعظ ، وما كان من آيات الأحكام فالمراد به الامتثال له والاقتداء به .
قال رضي الله عنه : قال الله تعالى : { ابن عباس أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده }
فنبينا صلى الله عليه وسلم ممن أمر أن يقتدي بهم ، وبهذا يقع الرد على ابن الجويني حيث قال : إن نبينا لم يسمع قط أنه رجع إلى أحد منهم ، ولا باحثهم عن حكم ، ولا استفهمهم ; فإن ذلك لفساد ما عندهم .
أما الذي نزل به عليه الملك فهو الحق المفيد للوجه الذي ذكرناه ، ولا معنى له غيره .