قوله تعالى : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين }
فيها مسألة واحدة : اختلف الناس في تقديرها ; فمنهم من قال : معناها لا جناح عليكم إن طلقتم ; قاله النساء المفروض لهن الصداق من قبل الدخول ما لم تمسوهن وغير المفروض لهن قبل الفرض واختاره . الطبري
[ ص: 290 ] ومنهم من قال : معناها إن ، وتكون أو بمعنى الواو . طلقتم النساء ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة
الثالث : أن يكون في الكلام حذف ، تقديره لا جناح عليكم إن طلقتم النساء فرضتم أو لم تفرضوا ، وهذه الأقوال ترجع إلى معنيين : أحدهما : أن تكون أو بمعنى الواو .
الثاني : أن يكون في الكلام حذف تقدر به الآية ، وتبقى أو على بابها ، وتكون بمعنى التفصيل والتقسيم والبيان ، ولا ترجع إلى معنى الواو ، كقوله تعالى : { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } فإنها للتفصيل .
واحتج من قال : إنها بمعنى الواو بأنه عطف عليها بعد ذلك المفروض لهن ، فقال تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } فلو كان الأول لبيان طلاق المفروض لهن قبل المسيس لما كرره ، وهذا ظاهر .
وقد بينا في كتاب " ملجئة المتفقهين " ذلك .
ولا فرق في قانون العربية بين تقدير حذف ، أو تكون أو بمعنى الواو ; لأن المعاني تتميز بذلك ، والأحكام تتفصل ، فإن المطلقة التي لم تمس ، ولم يفرض لها لا تخلو من أربعة أقسام :
الأول : مطلقة قبل المس وبعد الفرض .
الثاني : مطلقة بعد المسيس والفرض .
الثالث : مطلقة قبل المسيس وبعد الفرض .
الرابع : مطلقة بعد المس ، وقبل الفرض .
وقد اختلف الناس في المتعة على أربعة أقوال دائرة مع الأربعة الأقسام .
والصحيح أن الله تعالى لم يذكر في هذا الحكم إلا قسمين : مطلقة قبل المس وقبل الفرض ، ومطلقة قبل المس وبعد الفرض ; فجعل للأولى المتعة ، وجعل للثانية نصف [ ص: 291 ] الصداق ، وآلت الحال إلى أن المتعة لم يبين الله سبحانه وتعالى وجوبها إلا لمطلقة قبل المسيس والفرض .
وأما من طلقت وقد فرض لها فلها قبل المسيس نصف الفرض ، ولها بعد المسيس جميع الفرض أو مهر مثلها .
والحكمة في ذلك أن الله سبحانه وتعالى قابل المسيس بالمهر الواجب ونصفه بالطلاق قبل المسيس ، لما لحق الزوجة من رحض العقد ، ووصم الحل الحاصل للزوج بالعقد ، فإذا ألزمه الله المتعة كفؤا لهذا المعنى ; ولهذا اختلف العلماء في طلقها قبل المسيس والفرض ، فمنهم من رآها واجبة لظاهر الأمر بها ، وللمعنى الذي أبرزناه من الحكمة فيها . وجوب المتعة
وقال علماؤنا : ليست بواجبة لوجهين : أحدها : أن الله تعالى لم يقدرها ، وإنما وكلها إلى اجتهاد المقدر ، وهذا ضعيف ; فإن الله تعالى قد وكل التقدير في النفقة إلى الاجتهاد ، وهي واجبة ، فقال : { على الموسع قدره وعلى المقتر قدره }
الثاني : أن الله تعالى قال فيها : { حقا على المحسنين } حقا على المتقين ، ولو كانت واجبة لأطلقها على الخلق أجمعين ; فتعليقها بالإحسان ، وليس بواجب ، وبالتقوي وهو معنى خفي دل على أنها استحباب ، يؤكده أنه قال تعالى في العفو عن الصداق : { وأن تعفوا أقرب للتقوى } فأضافه إلى التقوى وليس بواجب ; وذلك أن للتقوى أقساما بيناها في كتب الفقراء ; ومنها واجب ، و [ منها ] ما ليس بواجب ; فلينظر هنالك .
فإن قيل : فقد قال تعالى : { وللمطلقات متاع بالمعروف } فذكرها لكل مطلقة ؟ قلنا : عنه جوابان : أحدهما : أن المتاع هو كل ما ينتفع به ، فمن كان لها مهر فمتاعها مهرها ، ومن لم يكن لها مهر فمتاعها ما تقدم .
[ ص: 292 ] الثاني : أن إحدى الآيتين حقيقة دون الأخرى ، وذلك بين في مسائل الخلاف ، فلينظر هنالك إن شاء الله تعالى .