الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره }
الشطر في اللغة يقال على النصف من الشيء ، ويقال على القصد ، وهذا خطاب لجميع المسلمين ، من كان منهم معاينا للبيت ، ومن كان غائبا عنه .
وذكر الباري سبحانه
المسجد الحرام ، والمراد به
البيت ، كما ذكر في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا }
الكعبة ، والمراد به
الحرم ، لأنه تعالى خاطبنا بلغة
العرب ، وهي تعبر عن الشيء بما يجاوره أو بما يشتمل عليه ; وإنما أراد سبحانه أن يعرف أن من بعد عن
البيت فإنه يقصد الناحية لا عين
البيت ، فإنه يعسر [ نظره و ] قصده ; بل لا يمكن أبدا إلا للمعاين ، وربما التفت المعاين يمينا أو شمالا فإذا به قد زهق عنه ، فاستأنف الصلاة ; وأضيق ما تكون القبلة عند معاينة القبلة .
وقد اختلف العلماء :
nindex.php?page=treesubj&link=1510_1509هل فرض الغائب عن الكعبة استقبال العين ؟ أو [ ص: 65 ] استقبال الجهة ؟ فمنهم من قال : [ فرضه استقبال العين ] ; وهذا ضعيف ; لأنه تكليف لما لا يصل إليه .
ومنهم من قال الجهة ; وهو الصحيح لثلاثة أمور : أحدها : أنه الممكن الذي يرتبط به التكليف .
الثاني : أنه المأمور به في القرآن ، إذ قال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } فلا يلتفت إلى غير ذلك .
الثالث : أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا أنه أضعاف عرض
البيت ، ويجب أن يعول على ما تقدم ; فإن الصف الطويل إذا بعد عن
البيت أو طال وعرض أضعافا مضاعفة لكان ممكنا أن يقابل [ جميع ]
البيت .
الْآيَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }
الشَّطْرُ فِي اللُّغَةِ يُقَالُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الشَّيْءِ ، وَيُقَالُ عَلَى الْقَصْدِ ، وَهَذَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُعَايِنًا لِلْبَيْتِ ، وَمَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهُ .
وَذَكَرَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ
الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَالْمُرَادُ بِهِ
الْبَيْتُ ، كَمَا ذَكَرَ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا }
الْكَعْبَةَ ، وَالْمُرَادُ بِهِ
الْحَرَمُ ، لِأَنَّهُ تَعَالَى خَاطَبَنَا بِلُغَةِ
الْعَرَبِ ، وَهِيَ تُعَبِّرُ عَنْ الشَّيْءِ بِمَا يُجَاوِرُهُ أَوْ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ ; وَإِنَّمَا أَرَادَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُعَرِّفَ أَنَّ مَنْ بَعُدَ عَنْ
الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يَقْصِدُ النَّاحِيَةَ لَا عَيْنَ
الْبَيْتِ ، فَإِنَّهُ يَعْسُرُ [ نَظَرُهُ وَ ] قَصْدُهُ ; بَلْ لَا يُمْكِنُ أَبَدًا إلَّا لِلْمُعَايِنِ ، وَرُبَّمَا الْتَفَتَ الْمُعَايِنُ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا فَإِذَا بِهِ قَدْ زَهَقَ عَنْهُ ، فَاسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ ; وَأَضْيَقُ مَا تَكُونُ الْقِبْلَةُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْقِبْلَةِ .
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ :
nindex.php?page=treesubj&link=1510_1509هَلْ فَرْضُ الْغَائِبِ عَنْ الْكَعْبَةِ اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ ؟ أَوْ [ ص: 65 ] اسْتِقْبَالُ الْجِهَةِ ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : [ فَرْضُهُ اسْتِقْبَالُ الْعَيْنِ ] ; وَهَذَا ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ تَكْلِيفٌ لِمَا لَا يَصِلُ إلَيْهِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْجِهَةُ ; وَهُوَ الصَّحِيحُ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ الْمُمْكِنُ الَّذِي يَرْتَبِطُ بِهِ التَّكْلِيفُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ ، إذْ قَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ } فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
الثَّالِثُ : أَنَّ الْعُلَمَاءَ احْتَجُّوا بِالصَّفِّ الطَّوِيلِ الَّذِي يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُ أَضْعَافُ عَرْضِ
الْبَيْتِ ، وَيَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ; فَإِنَّ الصَّفَّ الطَّوِيلَ إذَا بَعُدَ عَنْ
الْبَيْتِ أَوْ طَالَ وَعَرُضَ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً لَكَانَ مُمْكِنًا أَنْ يُقَابِلَ [ جَمِيعَ ]
الْبَيْتِ .