المسألة العاشرة : قوله تعالى : { غير مضار    } وذلك راجع إلى الوصية والدين . أما رجوعه إلى الوصية فبوجهين : أحدهما : بأن يزيد على الثلث . 
الثاني : بأن يوصي لوارث . فأما إن زاد على الثلث فإنه يرد إلا أن يجيز الورثة ; لأن المنع لحقوقهم لا لحق الله . وأما إن أوصى إلى وارث  فإن الورثة المبدنة به أهل الوصايا في وصاياهم ، ويرجع ميراثا . وقال  أبو حنيفة   والشافعي    : تبطل ، ولا يقع به تحاص ، ونظرهما بين في إسقاط ما زاد على الثلث لبطلانه . ومطلع نظر  مالك  أعلى ; لأنا نتبين بوصيته للوارث مع سائر الوصايا أنه أراد تنقيص حظ الوصايا وتخصيص وارثه ، فإن بطل أحد  [ ص: 454 ] القصدين ، لأن الشرع لم يجوزه ، لم يبطل الآخر ; لأن الشرع لم يمنع منه . 
وقد بيناه في مسائل الخلاف ، فيرد ما أبطل الشرع ويمضي ما لم يعترض فيه . وأما رجوع المضارة إلى الدين  فبالإقرار في حالة لا يجوز فيها لشخص الإقرار له به ، كما لو أقر في مرضه لوارثه بدين أو لصديق ملاطف له  ، فإن ذلك لا يجوز عندنا إذا تحققنا المضارة بقوة التهمة ، أو غلب على ظننا . وقال  أبو حنيفة    : يبطل الإقرار رأسا . وقال  الشافعي    : يصح . 
ومطلع النظر أنا لمحنا أن الموروث لما علم أن هبته لوارثه في هذه الحالة أو وصيته له لا تجوز ، وقد فاته نفعه في حال الصحة عمد إلى الهبة فألقاها بصورة الإقرار لتجوزها ; ويعضد هذه التهمة صورة القرابة وعادة الناس بقلة الديانة . ومطلع نظر  أبي حنيفة  نحو منه ; لكنه ربط الأمر بصفة القرابة حين تعذر عليه الوقوف على التهمة ، كما علقت رخص السفر بصورة السفر حين تعذر الوقوف على تحرير المشقة ووجودها . 
وراعى  الشافعي  في نظره أن هذه حالة إخبار عن حق واجب يضاف إلى سبب جائز في حالة يؤمن فيها الكافر ، ويتقي فيها الفاجر ، ويتوب فيها العاصي ، فأمضاه عليهم ، وجوزه . فإن قال : الإقرار حجة شرعية فلا يؤثر فيها المرض . قلنا : وإن كان الإقرار حجة شرعية [ فإن الهبة صلة شرعية ] ، ولكن حجرها المرض . كذلك تحجر التهمة الإقرار ، وكما ردت التهمة الشهادة أيضا . 
وأما نظر  أبي حنيفة  إلى صورة القرابة ففيه إلغاء العلة في غير محلها وقصر لها على موردها . وينبغي أن تطرد العلة حيث وجدت ما لم يقف دونها دليل تخصيص ، فعلى هذا إذا وجدنا التهمة في غير القريب من صديق ملاطف حكمنا ببطلان الإقرار ، وكم من صديق ألصق من قريب وأحكم عقدة في المودة . 
				
						
						
