الأول : أنه استثناء مقطوع عما قبله غير عائد إلى شيء من المذكورات ، وذلك مشهور في لسان العرب ، يجعلون إلا بمعنى لكن ، من ذلك قوله : { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } . معناه : لكن إن قتله خطأ ، وقد تقدم كلامنا عليه ، وأنشد بعضهم لأبي خراش الهذلي :
أمسى سقام خلاء لا أنيس به إلا السباع ومر الريح بالغرف
[ ص: 24 ] أراد إلا أن يكون به السباع ، أو لكن به السباع . وسقام : واد لهذيل . ومنه قول الشاعر :وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
وقفت بها أصيلانا أسائلها عيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد
من البيض لم تظعن بعيدا ولم تطأ من الأرض إلا ذيل برد مرحل
الثاني : أنه استثناء متصل ، وهو ظاهر الاستثناء ، ولكنه يرجع إلى ما بعد قوله تعالى : { وما أهل لغير الله به } من المنخنقة إلى ما أكله السبع .
الثالث : أنه يرجع الاستثناء إلى التحريم لا إلى المحرم ، ويبقى على ظاهره . المسألة التاسعة : في المختار : وذلك أنا نقول : إن الاستثناء المنقطع لا ينكر في اللغة ولا [ في الشريعة ] في [ ص: 25 ] القرآن ولا في الحديث حسبما أشرنا إليه في سورة النساء ، كما أنه لا يخفى أن الاستثناء المتصل هو أصل اللغة ، وجمهور الكلام ، ولا يرجع إلى المنقطع إلا إذا تعذر المتصل . وتعذر المتصل يكون من وجهين : إما عقليا وإما شرعيا ; فتعذر الاتصال العقلي هو ما قدمناه من الأمثلة قبل هذا في الأول .
وأما التعذر الشرعي فكقوله تعالى : { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس } .
فإن قوله : { إلا قوم يونس } ليس رفعا لمتقدم ، وإنما هو بمعنى لكن . وقوله : { طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى } .
وقوله : { إني لا يخاف لدي المرسلون } { إلا من ظلم } . عدنا إلى قوله : { إلا ما ذكيتم } ، قلنا : فأما الذي يمنع أن يعود إلى ما يمكن إعادته إليه ، وهو قوله : { المنخنقة } إلى آخرها ،