المسألة الثالثة : قوله تعالى :   { من الجوارح مكلبين    } قيل : معناه الكواسب  ، يقال : جرح إذا كسب ، ومنه قوله تعالى : { ويعلم ما  [ ص: 33 ] جرحتم بالنهار    } فكل كاسب جارح إذا كسب كيفما كان ، وممن كان ، إلا أن هاهنا نكتة ، وهي أن الله تعالى قال : { أحل لكم الطيبات    } . فنحن فريق والطيبات فريق ، وما علمتم من الجوارح فريق غير الاثنين ، وذلك من البهائم التي يعلمها بنو آدم  ، وقد كانت عندهم معلومة وهي الكلاب المعلمة ; فأذن الله سبحانه وتعالى لهم في أكل ما صيد بها على ما بيناه آنفا إن شاء الله تعالى . المسألة الرابعة : فإن قيل : فما يبين ذلك تحقيقا ؟ قلنا : يبينه ظاهر القرآن والسنة ; أما ظاهر القرآن فقوله : { مكلبين    } ، كلب الرجل وأكلب إذا اقتنى كلبا . 
وأما السنة فالحديث الصحيح لجميع الأئمة ; قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من اقتنى كلبا ليس بكلب ماشية أو صيد نقص من أجره كل يوم قيراطان   } . والضاري : هو الذي ضرى الصيد في اللغة . 
وروى جميعهم عن  عدي بن حاتم  قال : { قلت : يا رسول الله ; إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي ، وأذكر الله تعالى . فقال : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك ; فإن ذكاته أخذه وإن قتل ، ما لم يشركه كلب آخر . قال : وإن أدركته حيا فاذبحه ، وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل منه ; فإنك لا تدري أيهما قتله   } . وعند جميعهم : { فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه   } .  [ ص: 34 ] وروى أبو داود  عن  أبي ثعلبة  أنه قال : { وإن أكل منه ؟ قال : وإن أكل منه   } . وروى جميعهم عنه نحو الأول عن عدي    . وفيه : { فإن صدت بكلب غير معلم فأدركت ذكاته فكل   } . 
فقد فسرت هذه الأحاديث التكليب والتعليم ، وهي : 
				
						
						
