المسألة الرابعة والثلاثون :
إذا وجب عليه الجزاء . قال علماؤنا لقوله تعالى : { قتل محرم صيدا فجزاه . ثم قتله ثانية ومن قتله منكم متعمدا } ، ولم يفصل بين المرة الأولى والثانية ، وممن تعلق بهذا الدليل أحبار ممن لا يليق بمرتبتهم إيراد هذا الدليل على هذا الوجه ; فإن كل حكم علق بشرط لا يتكرر بتكرار الشرط ، فمن قال لزوجته : إن دخلت الدار فأنت طالق [ فإن الطلاق ] لا يتكرر بتكرار الدخول ، فإن قام دليل على تكرار الحكم بتكرار الشرط فذلك مأخوذ من الدليل القائم عليه لا من جهة الشرط المضاف إليه ; كقوله تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } فإن الوضوء يتكرر بتكرر القيام مع الحدث ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : { } . وها هنا تكرر الاسم بتكرر الشرط ، بقوله : { لا يقبل الله صلاة بغير طهور لا [ ص: 194 ] تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم } . والنهي دائم مستمر عليه ، فالجزاء لأجل ذلك متوجه لازم ذمته .
فإن قيل : فقد قال : { عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه } ولم يذكر جزاء وهي :
المسألة الخامسة والثلاثون : قلنا : قوله سبحانه : { عفا الله عما سلف } يعني في الجاهلية لا الإسلام ، أو عما قبل بيان الحكم ; فإن الواقع قبله عفو . وقوله تعالى : { ومن عاد } وهي :
المسألة السادسة والثلاثون : يعني فينتقم الله منه ، وعليه بما تقدم من الدليل الكفارة .
وقال : لا يحكم عليه مرتين في الإسلام ، وهذا لا يصح ; لما تقدم من تمادي التحريم في الإحرام وتوجه الخطاب عليه في دين الإسلام . ابن عباس
ووجه آخر من الدليل ، وهو قوله : { ومن قتله منكم متعمدا } يعني وهو محرم ، { فجزاء مثل ما قتل من النعم } . وقد قال بقول ابن عباس الحسن وإبراهيم ومجاهد . ويروى عن وشريح أنه سئل عن ذلك ، فقال : نعم نحكم عليه أفيخلع يعني يخرج عن حكم المحرمين ; كما قال سعيد بن جبير : إنه إذا قتله متعمدا فقد حل إحرامه ; لأنه ارتكب محظورا [ ينافي ] عبادة فيها ، فأبطلها ، كما لو تكلم في الصلاة أو أحدث فيها . مجاهد
ودليلنا أن الله تعالى أوجب الجزاء ولم يذكر الفساد ، وقد بينا في كتب المسائل ما يفسد الحج من محظوراته بما يغني عن إعادته ، فلا يصح اعتبار الحج بالصلاة فإنهما مختلفان شرطا ووصفا ووضعا في الأصل ، فلا يعتبر أحدهما بالآخر بحال . وقد بينا ذلك في أصول الفقه وفيما تقدم ، كما أنه قد روي عن زيد بن المعلي [ ص: 195 ] أن رجلا أصاب صيدا وهو محرم فتجوز عنه ، ثم عاد فأنزل الله عز وجل نارا من السماء فأحرقته ، وهذه عبرة للأمة وكف للمعتدين عن المعصية .
المسألة السابعة والثلاثون :
. وقال ما تقدم فيه للصحابة حكم من الجزاء في صيد يبتدئ الآن الحكمان النظر فيه : لا ينظر فيما نظرت فيه الصحابة ; لأنه حكم نفذ ، وهذا يبطل بقضايا الدين ; فإن كل حكم أنفذته الصحابة يجوز الاجتهاد فيه ثانيا . وذلك فيما لم يرد فيه نص ولا انعقد عليه إجماع ، وهذا أبين من إطناب فيه . الشافعي