الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
nindex.php?page=treesubj&link=2110_2140_2212_2038_1076ترك الصلاة على الشهيد
1401 - ( عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس { nindex.php?page=hadith&LINKID=6469أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم . } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود والترمذي ، وقد أسلفنا هذا المعنى من رواية nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، وقد رويت الصلاة عليه بأسانيد لا تثبت ) .
[ ص: 53 ] أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس فأخرجه أيضا nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم . وقال الترمذي : إنه حديث غريب لا نعرفه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس إلا من هذا الوجه . وأخرجه أبو داود في المراسيل nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من حديثه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=42615مر النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة وقد مثل به ، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره } وأعله nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني بأنه غلط فيه أسامة بن زيد فرواه عن الزهري عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ورجحوا رواية nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر فقد تقدم في باب ترك غسل الشهيد . وأما الأحاديث الواردة في الصلاة على شهداء أحد التي أشار إليها nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف وقال : إنها بأسانيد لا تثبت فستعرف الكلام عليها ، وفي nindex.php?page=treesubj&link=2110_2140_2212_2038_1076الصلاة على الشهيد أحاديث . منها ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=24505فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين جاء الناس من القتال ، فقال رجل : رأيته عند تلك الشجيرات ، فلما رآه ورأى ما مثل به شهق وبكى ، فقام رجل من الأنصار فرمى عليه بثوب ، ثم جيء بحمزة فصلى عليه } الحديث . وفي إسناده أبو حماد الحنفي وهو متروك
وعن شداد بن الهاد عند nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=11787إن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه } وفي الحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=7292أنه استشهد فصلى عليه صلى الله عليه وسلم فحفظ من دعائه صلى الله عليه وسلم له : اللهم إن هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل في سبيلك } وحمل nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي هذا على أنه لم يمت في المعركة . وعن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس عند أبي داود في المراسيل nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وقد تقدم لفظه . وعن nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيره { nindex.php?page=hadith&LINKID=7726أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على ميت كالمودع للأحياء والأموات } وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان { nindex.php?page=hadith&LINKID=7726ثم دخل بيته ولم يخرج حتى قبضه الله }
وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عند nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=2025أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة فسجي ببرده ثم صلى عليه وكبر سبع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى فيوضعون إلى حمزة فيصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة } وفي إسناده رجل مبهم ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق قال : حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال السهيلي : إن كان الذي أبهمه nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق هو الحسن بن عمارة فهو ضعيف وإلا فهو مجهول لا حجة فيه قال الحافظ : الحامل للسهيلي على ذلك ما وقع في مقدمة nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة أن الحسن بن عمارة حدثه عن الحكم عن مقسم عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد ، فسألت الحكم فقال : لم يصل عليهم } . ا هـ لكن حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس روي من طرق أخرى منها ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مثله وأتم منه ، ويزيد فيه ضعف يسير .
وفي الباب أيضا عن أبي مالك الغفاري عند أبي داود في المراسيل من طريقه وهو تابعي اسمه غزوان ، ولفظه : { nindex.php?page=hadith&LINKID=7727أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد عشرة عشرة في كل عشرة حمزة حتى صلى عليه [ ص: 54 ] سبعين صلاة } قال الحافظ : ورجاله ثقات . وقد أعله nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأنه متدافع ; لأن الشهداء كانوا سبعين فإذا أتي بهم عشرة عشرة يكون قد صلى سبع صلوات فكيف تكون سبعين ؟ قال : وإن أراد التكبير فيكون ثمانية وعشرين تكبيرة . وأجيب بأن المراد صلى على سبعين نفسا وحمزة معهم كلهم ، فكأنه صلى عليه سبعين صلاة .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=19567رفع الأنصاري وترك حمزة فصلى عليه ثم جيء برجل من الأنصار ووضعوه إلى جنبه فصلى عليه ، فرفع الأنصاري وترك حمزة حتى صلى عليه يومئذ سبعين صلاة } .
وفي الباب أيضا حديث أبي سلام عن رجل من الصحابة عند أبي داود ، وقد تقدم في باب ترك غسل الشهيد ، هذا جملة ما وقفنا عليه في هذا الباب من الأحاديث المتعارضة
وقد اختلف أهل العلم في ذلك ، قال الترمذي : قال بعضهم : يصلى على الشهيد وهو قول الكوفيين وإسحاق . وقال بعضهم : لا يصلى عليه وهو قول المدنيين nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ا هـ . وبالأول قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=15215والمزني nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب ، وإليه ذهب العترة . واستدلوا بالأحاديث التي ذكرناها . وأجاب عنها القائلون بأنه لا يصلى على الشهيد ، فقالوا : أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ففيه متروك كما تقدم وأما حديث شداد بن الهاد فهو مرسل ; لأن شدادا تابعي . وقد أجيب عنه بما تقدم عن nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي ، وبأن المراد بالصلاة الدعاء . وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس فقد تقدم أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني قالوا : بأنه غلط فيه أسامة ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أن قوله فيه : " ولم يصل على أحد من الشهداء غيره ليست بمحفوظة " على أنه يقال : الحديث حجة عليهم لا لهم لأنها لو كانت واجبة لما خص بها واحدا من سبعين وأما حديث عقبة فلنبدأ بتقرير الاستدلال به ثم نذكر جوابه وتقريره ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : إن معنى صلاته صلى الله عليه وسلم عليهم لا يخلو من ثلاثة معان : إما أن يكون ناسخا لما تقدم من ترك الصلاة عليهم ، أو يكون من سنتهم أن لا يصلى عليهم إلا بعد هذه المدة ، أو تكون الصلاة عليهم جائزة بخلاف غيرهم فإنها واجبة ، وأيها كان فقد ثبت بصلاته عليهم الصلاة على الشهداء ، ثم الكلام بين المختلفين في عصرنا إنما هو في الصلاة عليهم قبل دفنهم ، وإذا ثبتت الصلاة عليهم بعد الدفن كانت قبل الدفن أولى ا هـ
وأجيب بأن صلاته عليهم تحتمل أمورا أخر : منها أن تكون من خصائصه ، ومنها أن تكون بمعنى الدعاء ، ثم هي واقعة عين لا عموم لها ، فكيف ينتهض الاحتجاج بها لدفع حكم قد ثبت . وأيضا لم يقل أحد من العلماء بالاحتمال الثاني الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي ، كذا قال الحافظ . وأنت خبير بأن دعوى الاختصاص خلاف الأصل ، ودعوى أن الصلاة بمعنى الدعاء يردها قوله في الحديث : " صلاته على الميت " وأيضا قد تقرر في الأصول أن الحقائق الشرعية مقدمة على اللغوية ، فلو فرض عدم ورود هذه الزيادة لكان المتعين [ ص: 55 ] المصير إلى حمل الصلاة على حقيقتها الشرعية وهي ذات الأذكار والأركان ، ودعوى أنها واقعة عين لا عموم لها يردها أن الأصل فيما ثبت لواحد أو لجماعة في عصره صلى الله عليه وسلم ثبوته للغير على أنه يمكن معارضة هذه الدعوى بمثلها فيقال : ترك الصلاة على الشهداء في يوم أحد واقعة عين لا عموم لها ، فلا تصلح للاستدلال بها على مطلق الترك بعد ثبوت مطلق الصلاة على الميت ، ووقوع الصلاة منه على خصوص الشهيد في غيرها كما في حديث شداد بن الهاد وأبي سلام .
وإنما حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وما ورد في معناه من الصلاة على قتلى أحد قبل دفنهم . فأجاب عن ذلك nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأن الأخبار جاءت كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد . قال : وما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح ، وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الأحاديث أن يستحي على نفسه ا هـ . وأجيب أيضا بأن تلك الحالة الضيقة لا تتسع لسبعين صلاة وبأنها مضطربة ، وبأن الأصل عدم الصلاة ; ولا يخفى عليك أنها رويت من طرق يشد بعضها بعضا ، وضيق تلك الحالة لا يمنع من إيقاع الصلاة ، فإنها لو ضاقت عن الصلاة لكان ضيقها عن الدفن أولى
ودعوى الاضطراب غير قادحة ; لأن جميع الطرق قد أثبتت الصلاة وهي محل النزاع ، ودعوى أن الأصل عدم الصلاة مسلمة قبل ورود الشرع . وأما بعد وروده فالأصل الصلاة على مطلق الميت والتخصيص ممنوع . وأيضا أحاديث الصلاة قد شد من عضدها كونها مثبتة والإثبات مقدم على النفي ، وهذا مرجح معتبر ، والقدح في اعتباره في المقام يبعد غفلة الصحابة عن إيقاع الصلاة على أولئك الشهداء معارض بمثله وهو يبعد غفلة الصحابة عن الترك الواقع على خلاف ما كان ثابتا عنه صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الأموات ، فكيف يرجح ناقله وهو أقل عددا من نقلة الإثبات الذي هو مظنة الغفول عنه لكونه واقعا على مقتضى عادته صلى الله عليه وسلم من الصلاة على مطلق الميت ، ومن مرجحات الإثبات الخاصة بهذا المقام أنه لم يرو النفي إلا nindex.php?page=showalam&ids=9أنس nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر nindex.php?page=showalam&ids=9، وأنس عند تلك الواقعة من صغار الصبيان nindex.php?page=showalam&ids=36، وجابر قد روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة ، وكذلك nindex.php?page=showalam&ids=9أنس كما تقدم فقد وافقا غيرهما في وقوع مطلق الصلاة على الشهيد في تلك الواقعة
ويبعد كل البعد أن يخص النبي صلى الله عليه وسلم بصلاته حمزة لمزية القرابة ويدع بقية الشهداء ، ومع هذا فلو سلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم حال الواقعة ، وتركنا جميع هذه المرجحات لكانت صلاته عليهم بعد ذلك مفيدة للمطلوب ; لأنها كالاستدراك لما فات مع اشتمالها على فائدة أخرى وهي أن الصلاة على الشهيد لا ينبغي أن تترك بحال وإن طالت المدة وتراخت إلى غاية بعيدة . وأما حديث أبي سلام فلم أقف للمانعين من الصلاة على جواب عليه ، وهو من أدلة المثبتين ; لأنه قتل في المعركة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه شهيدا وصلى عليه ، [ ص: 56 ] نعم لو كان النفي عاما غير مقيد بوقعة أحد ولم يرد في الإثبات غير هذا الحديث لكان مختصا بمن قتل على مثل صفته
واعلم أنه قد اختلف في الشهيد الذي وقع الخلاف في غسله والصلاة عليه ، هل هو مختص بمن قتل في المعركة أو أعم من ذلك ، فعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار ، وخرج بقوله : في المعركة ، من جرح في المعركة وعاش بعد ذلك حياة مستقرة وخرج بحرب الكفار من مات في قتال المسلمين كأهل البغي ، وخرج بجميع ذلك من يسمى شهيدا بسبب غير السبب المذكور ، ولا خلاف أن من جمع هذه القيود شهيد .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد : أن من جرح في المعركة إن مات قبل الارتثاث فشهيد ، والارتثاث : أن يحمل ويأكل أو يشرب أو يوصي أو يبقى في المعركة يوما وليلة حيا . وذهبت الهادوية إلى أن من جرح في المعركة يقال له : شهيد وإن مات بعد الارتثاث . وأما من قتل مدافعا عن نفس أو مال أو في المصر ظلما فقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبو يوسف والهادوية : إنه شهيد
وقال الإمام يحيى nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : إنه وإن قيل له شهيد فليس من الشهداء الذين لا يغسلون . وذهبت العترة والحنفية nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في قول له : إن قتيل البغاة شهيد ، قالوا : إذ لم يغسل nindex.php?page=showalam&ids=8علي أصحابه ، وهو توقيف . فائدة : لم يرد في شيء من الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء بدر ولا أنه لم يصل عليهم . وكذلك في شهداء سائر المشاهد النبوية إلا ما ذكرناه في هذا البحث فليعلم ذلك .