الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
nindex.php?page=treesubj&link=6190 2360 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=29064 : كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا ومن كذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه وإلا فليدعها } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، والقصرى : القصارة )
قوله ( والقصرى ) قد سبق ضبطه وتفسيره قوله : ( فليزرعها ) بفتح التحتية والراء : أي : بنفسه . قوله : ( أو ليحرثها ) بضم التحتية وكسر الراء : أي : يجعلها مزرعة لأخيه بلا عوض وذلك بأن يعيره إياها ، ويشهد لهذا المعنى الرواية الآتية بلفظ : { nindex.php?page=hadith&LINKID=29605لأن يمنح أحدكم أخاه } أي : يجعلها منحة له ، والمنحة : العارية وفيه دليل على المنع من nindex.php?page=treesubj&link=6190_6062مؤاجرة الأرض مطلقا لقوله " وإلا فليدعها " ولكن ينبغي أن يحمل هذا المطلق على المقيد بما سلف في حديث nindex.php?page=showalam&ids=46رافع أو يكون الأمر بالندب فقط لما أسلفنا ولما سيأتي ، وقد كره بعض العلماء nindex.php?page=treesubj&link=6190_6041تعطيل الأرض عن الزراعة ; لأن فيه تضييع المال ، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن nindex.php?page=treesubj&link=6190_6041إضاعة المال ، وقدم في هذا الحديث زراعة الأرض من المالك نفسه لما في ذلك من الفضيلة ، فإن الاشتغال بالعمل فيها والاستغناء عن الناس بما يحصل من القرب العظيمة مع ما في ذلك من الاشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي لا سيما في مثل هذا الزمان سم قاتل ، وشغل عن الرب جل جلاله شاغل ، إذا لم يكن في الإقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد
وقد أورد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه حديثا في فضل الزرع والغرس ، وترجم عليه : باب فضل الزرع والغرس ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس
2361 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص { nindex.php?page=hadith&LINKID=2391أن أصحاب المزارع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي ، وما سعد بالماء مما حول النبت ، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا في بعض ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك وقال : أكروا بالذهب والفضة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وما ورد من النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على ما فيه مفسدة كما بينته هذه الأحاديث أو يحمل على اجتنابها ندبا [ ص: 334 ] واستحبابا ، فقد جاء ما يدل على ذلك ، فروى عمرو بن دينار قال : قلت nindex.php?page=showalam&ids=16248لطاووس : لو تركت المخابرة فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، فقال : إن أعلمهم ، يعني : nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أخبرني { nindex.php?page=hadith&LINKID=6924أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها وقال : لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وأبو داود )
2362 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس { nindex.php?page=hadith&LINKID=33041أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم المزارعة ، ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض } رواه الترمذي وصححه ) .
2363 - ( وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37203من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه ، فإن أبى فليمسك أرضه } أخرجاه وبالإجماع تجوز الإجارة ولا تجب الإعارة ، فعلم أنه أراد الندب ) حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد سكت عنه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=16383والمنذري قال في الفتح : ورجاله ثقات إلا أن محمد بن عكرمة المخزومي لم يرو عنه إلا nindex.php?page=showalam&ids=12350إبراهيم بن سعد قوله : ( وما سعد ) بفتح السين وكسر العين المهملتين ، قيل : معناه بما جاء من الماء سيحا لا يحتاج إلى ساقية ، وقيل : معناه ما جاء من الماء من غير طلب وقال الأزهري والسعيد : النهر مأخوذ من هذا وسواعد النهر التي تنصب إليه مأخوذة من هذا ، وفي رواية " ما صعد " بالصاد بدل السين : أي : ما ارتفع من النبت بالماء ، دون ما سفل منه
قوله : ( بالذهب والفضة ) فيه رد على nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس حيث كره nindex.php?page=treesubj&link=6122_6123إجارة الأرض بالذهب والفضة كما روى عنه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال : كان nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة ولا يرى بالثلث والربع بأسا ، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : اذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع حديثه عن أبيه ، فقال لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه لم أفعله ، ولكن حدثني من هو أعلم منه nindex.php?page=showalam&ids=11 : ابن عباس ، فذكر الحديث الذي ذكره المصنف nindex.php?page=showalam&ids=15397وللنسائي أيضا من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16395عبد الكريم عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد قال : أخذت بيد nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس فأدخلته إلى ابن رافع بن خديج فحدثه عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38697نهى عن كراء الأرض } فأبى nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس وقال : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لا يرى بذلك بأسا ، وهذه الرواية عن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاووس تدل على أنه كان لا يمنع من كراء الأرض مطلقا
وقد حكى صاحب الفتح عنه أنه يمنع مطلقا كما قدمنا ، وقد استدل بهذا الحديث من جوز nindex.php?page=treesubj&link=6122_6123كراء الأرض بالذهب والفضة ، وقد تقدم ذكرهم وألحقوا بهما غيرهما من الأشياء [ ص: 335 ] المعلومة ; لأنهم رأوا أن محل النهي فيما لم يكن معلوما ولا مضمونا وفي هذا الحديث أيضا رد على من منع من nindex.php?page=treesubj&link=6062كراء الأرض مطلقا كما تقدم . قوله : " وما ورد من النهي . . . إلخ " مثل حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر عند أبي داود بلفظ : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { nindex.php?page=hadith&LINKID=97622من لم يذر المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله } وحديث nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت عند أبي داود قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=38349 : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة } وقد تقدم ومثل حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر أيضا عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه بلفظ { nindex.php?page=hadith&LINKID=38348نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة } الحديث ، ومثل حديث ثابت بن الضحاك عند nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38549أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة } وحديث nindex.php?page=showalam&ids=46رافع عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=38697نهى عن كراء الأرض } وأصله في الصحيحين نحو هذه الأحاديث الواردة بالنهي على الإطلاق ، وقد ذكر المصنف في هذا الباب طرفا منها ، وأوردنا بعضا من ذلك فيما سلف ، وكلام المصنف هذا كلام حسن ، ولا بد من المصير إليه للجمع بين الأحاديث المختلفة ، وهو الذي رجحناه فيما سلف
قوله : ( لم ينه عنها ) هذا لا ينافي رواية من روى النهي عنه صلى الله عليه وسلم ; لأن المثبت مقدم على النافي ، ومن علم حجة على من لم يعلم ، ولكن قوله : " لأن يمنح أحدكم أخاه خير له . . . إلخ " يصلح جعله قرينة لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة كما سلف ، وقوله : " يمنح " بفتح التحتية وسكون الميم وفتح النون بعدها حاء مهملة ، ويجوز كسر النون ، والمراد يجعلها منيحة : أي : عطية وعارية كما تقدم ، وهكذا يدل على أن النهي ليس على حقيقته لما في الرواية الثانية عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم المزارعة ، ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض . قوله : ( فليزرعها أو ليحرثها ) قد تقدم الكلام على هذا
قوله : ( فليمسك أرضه ) قد قدمنا أن بعض العلماء كره nindex.php?page=treesubj&link=6190_6041تعطيل الأرض عن الزراعة لما ورد من النهي عن إضاعة المال وهذه الرواية والتي سلفت في حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر يدلان على جواز nindex.php?page=treesubj&link=6190ترك الأرض بغير زراعة ، وقد جمع بين الرواية القاضية بالنهي عن ذلك وبين ما هنا بحمل النهي عن الإضاعة على إضاعة عين المال أو المنفعة التي لا يخلفها منفعة ، والأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها ، فإنها قد تنبت من الحطب والحشيش وسائر الكلإ ما ينفع في الرعي وغيره ، وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك ، فقد يكون التأخير للزرع عن الأرض إصلاحا لها فتخلف في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك ، وهذا كله إن حمل النهي على عمومه
فأما لو حمل على ما كان مألوفا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة ، بل يكريها بالذهب والفضة كما تقرر ذلك قوله : ( وبالإجماع تجوز الإجارة . . . إلخ ) استدل nindex.php?page=showalam&ids=13028المصنف رحمه الله بهذا على ما ذكره من الندب ; لأن العارية إذا لم تكن واجبة بالإجماع من غير فرق بين المزارعة وغيرها لم يجب [ ص: 336 ] على الإنسان أن يزرع أرضه بنفسه أو يعيرها أو يعطلها ، بل يجوز له أمر رابع وهو الإجارة ; لأنها جائزة بالإجماع ، والعارية لا تجب بالإجماع فلا تجب عليه ، وإذا انتفى الوجوب بقي الندب