الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2 - ( وعن أنس بن مالك قال { : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوا فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء ، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الإناء يده ، وأمر الناس أن يتوضئوا منه ، فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه حتى توضئوا من عند آخرهم } . متفق عليه ومتفق على مثل معناه من حديث جابر بن عبد الله ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            لفظ حديث جابر : { وضع يده صلى الله عليه وسلم في الركوة فجعل الماء يثور بين أصابعه كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا ، قلت : كم كنتم ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا . قال : كنا خمس عشرة مائة } . قوله : ( حانت ) الواو للحال بتقدير قد . قوله : ( الوضوء ) بفتح الواو أي الماء الذي يتوضأ به قوله : ( فأتي ) بضم الهمزة على البناء للمفعول ، وقد بين البخاري في رواية أن ذلك كان بالزوراء وهي سوق بالمدينة . قوله : ( بوضوء ) بفتح الواو وأيضا أي بإناء فيه ماء ليتوضأ به . ووقع في رواية للبخاري فجاء بقدح فيه ماء يسير فصغر أن يبسط فيه صلى الله عليه وسلم كفه فضم أصابعه .

                                                                                                                                            قوله : ( ينبع ) بفتح أوله وضم الموحدة ويجوز كسرها وفتحها ، قاله في الفتح . قوله : ( حتى توضئوا من عند آخرهم ) قال الكرماني : حتى للتدريج ، ومن للبيان ، أي توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم ، وهو كناية عن جميعهم ، وعند بمعنى في ; لأن عند وإن كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفية ، فكأنه قال : الذين هم في آخرهم . وقال التيمي : المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر . وقال النووي : من هنا بمعنى إلى وهي لغة ، وتعقبه الكرماني بأنها شاذة ، ثم إن إلى لا يجوز أن تدخل على عند ، ولا يلزم مثله في [ ص: 32 ] من إذا وقعت بمعنى إلى ، قال في الفتح وعلى توجيه النووي : يمكن أن يقال عند زائدة .

                                                                                                                                            والحديث يدل على مشروعية المواساة بالماء عند الضرورة لمن كان في مائه فضل عن وضوئه ، وعلى أن اغتراف المتوضئ من الماء القليل لا يصير الماء مستعملا ، واستدل به الشافعي على أن الأمر بغسل اليد قبل إدخالها الإناء ندب لا حتم ، وسيأتي تحقيق ذلك . قال ابن بطال : هذا الحديث شهده جمع من الصحابة ، إلا أنه لم يرو إلا من طريق أنس ، وذلك لطول عمره ، ولطلب الناس علو السند ، وناقضه القاضي عياض فقال : هذه القصة رواها العدد الكثير من الثقات عن الجم الغفير عن الكافة متصلا عن جملة من الصحابة ، بل لم يؤثر عن أحد منهم إنكار ذلك فهو ملتحق بالقطعي . قال الحافظ : فانظر كم بين الكلامين من التفاوت انتهى .

                                                                                                                                            ومن فوائد الحديث أن الماء الشريف يجوز رفع الحدث به . ولهذا قال المصنف - رحمه الله - : وفيه تنبيه أنه لا بأس برفع الحدث من ماء زمزم ; لأن قصاراه أنه ماء شريف متبرك به ، والماء الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فيه بهذه المثابة . وقد جاء عن علي - كرم الله وجهه - في حديث له قال فيه { : ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ } .

                                                                                                                                            رواه أحمد انتهى . وهذا الحديث هو في أول مسند علي من مسند أحمد بن حنبل ، ولفظه : حدثنا عبد الله يعني ابن أحمد بن حنبل ، حدثني أحمد بن عبدة البصري ، حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث ، عن أبيه ، عن زيد بن علي بن حسين بن علي ، عن أبيه علي بن حسين ، عن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة فذكر حديثا طويلا وفيه : ثم أفاض فدعا بسجل من ماء زمزم فشرب منه وتوضأ ثم قال : انزعوا فلولا أن تغلبوا عليها لنزعت } الحديث ، وهذا إسناد مستقيم ; لأن عبد الله بن أحمد ثقة إمام وأحمد بن عبدة الضبي البصري وثقه أبو حاتم والنسائي والمغيرة بن عبد الرحمن ، قال في التقريب : ثقة جواد من الخامسة وأبوه عبد الرحمن ، قال في التقريب : من كبار ثقات التابعين ، وعبيد الله بن أبي رافع كان كاتب علي وهو ثقة من الثالثة كما في التقريب ، وقال ابن معين : لا بأس به ، وقال أبو حاتم : لا يحتج بحديثه . وأما الإمامان زيد بن علي ووالده زين العابدين فهما أشهر من نار على علم

                                                                                                                                            وقد أخرج هذا الحديث أهل السنن وصححه الترمذي وغيره .

                                                                                                                                            وشربه صلى الله عليه وسلم من زمزم عند الإفاضة ثابت في صحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائي من حديث جابر الطويل بلفظ : { فأتى يعني النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم ، يسقون على زمزم فقال : انزعوا بني عبد المطلب فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم فناولوه دلوا فشرب منه } وهو في المتفق عليه من حديث ابن عباس بلفظ : { سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم } [ ص: 33 ]

                                                                                                                                            وفي رواية : " استسقى عند البيت فأتيته بدلو " والسجل بسين مهملة مفتوحة فجيم ساكنة : الدلو المملوء ، فإن تعطل فليس بسجل . ويأتي تمام الكلام عليه في باب تطهير الأرض . ولحديث الباب فوائد كثيرة خارجة عن مقصود ما نحن بصدده . فلنقتصر على هذا المقدار .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية