قوله تعالى ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين  
 فيه أربع مسائل : 
الأولى : قوله تعالى ولوطا إذ قال لقومه  قال الفراء    : لوط  مشتق من قولهم : هذا أليط بقلبي ، أي ألصق . وقال النحاس    : قال الزجاج  زعم بعض النحويين - يعني الفراء    - أن لوطا يجوز أن يكون مشتقا من لطت الحوض إذا ملسته بالطين . قال : وهذا غلط ; لأن الأسماء الأعجمية لا تشتق كإسحاق ، فلا يقال : إنه من السحق وهو البعد . وإنما صرف لوط لخفته لأنه على ثلاثة أحرف وهو ساكن الوسط . قال النقاش    : لوط من الأسماء الأعجمية وليس من العربية . فأما لطت الحوض ، وهذا أليط بقلبي من هذا ، فصحيح . ولكن الاسم أعجمي كإبراهيم وإسحاق . قال  سيبويه    : نوح  ولوط  أسماء أعجمية ، إلا أنها خفيفة فلذلك صرفت . 
بعثه الله تعالى إلى أمة تسمى سدوم  ، وكان ابن أخي إبراهيم    . ونصبه إما ب أرسلنا المتقدمة فيكون معطوفا . ويجوز أن يكون منصوبا بمعنى واذكر . 
 [ ص: 219 ] الثانية قوله تعالى أتأتون الفاحشة  يعني إتيان الذكور . ذكرها الله باسم الفاحشة ليبين أنها زنى ; كما قال الله تعالى : ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة    . 
واختلف العلماء فيما يجب على من فعل ذلك  بعد إجماعهم على تحريمه ; فقال مالك    : يرجم ; أحصن أو لم يحصن . وكذلك يرجم المفعول به إن كان محتلما . وروي عنه أيضا : يرجم إن كان محصنا ، ويحبس ويؤدب إن كان غير محصن . وهو مذهب عطاء  والنخعي   وابن المسيب  وغيرهم . وقال أبو حنيفة    : يعذر المحصن وغيره ; وروي عن مالك    . وقال  الشافعي    : يحد حد الزنى قياسا عليه . احتج مالك  بقوله تعالى : وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل    . فكان ذلك عقوبة لهم وجزاء على فعلهم . فإن قيل : لا حجة فيها لوجهين ; أحدهما : أن قوم لوط  إنما عوقبوا على الكفر والتكذيب كسائر الأمم . الثاني : أن صغيرهم وكبيرهم دخل فيها ; فدل على خروجها من باب الحدود . قيل : أما الأول فغلط ; فإن الله سبحانه أخبر عنهم أنهم كانوا على معاص فأخذهم بها ; منها هذه . وأما الثاني فكان منهم فاعل وكان منهم راض ، فعوقب الجميع لسكوت الجماهير عليه . وهي حكمة الله وسنته في عباده . وبقي أمر العقوبة على الفاعلين مستمرا . والله أعلم . وقد روى أبو داود   وابن ماجه   والترمذي   والنسائي   والدارقطني  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط  فاقتلوا الفاعل والمفعول به   . لفظ أبي داود   وابن ماجه    . وعند الترمذي  أحصنا أو لم يحصنا   . وروى أبو داود   والدارقطني  عن ابن عباس  في البكر يوجد على اللوطية قال : يرجم . وقد روي عن أبي بكر الصديق  رضي الله عنه أنه حرق رجلا يسمى الفجاءة  حين   [ ص: 220 ] عمل عمل قوم لوط   بالنار . وهو رأي علي بن أبي طالب    ; فإنه لما كتب خالد بن الوليد  إلى أبي بكر  في ذلك جمع أبو بكر  أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم واستشارهم فيه ; فقال علي    : إن هذا الذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما علمتم ، أرى أن يحرق بالنار . فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بالنار . فكتب أبو بكر  إلى خالد بن الوليد  أن يحرقه بالنار فأحرقه . ثم أحرقهم ابن الزبير  في زمانه . ثم أحرقهم هشام بن الوليد    . ثم أحرقهم خالد القسري  بالعراق    . وروي أن سبعة أخذوا في زمن ابن الزبير  في لواط ; فسأل عنهم فوجد أربعة قد أحصنوا فأمر بهم فخرجوا بهم من الحرم  فرجموا بالحجارة حتى ماتوا ، وحد الثلاثة ; وعنده ابن عباس   وابن عمر  فلم ينكرا عليه   . وإلى هذا ذهب  الشافعي    . قال  ابن العربي    : والذي صار إليه مالك  أحق ، فهو أصح سندا وأقوى معتمدا . وتعلق الحنفيون بأن قالوا : عقوبة الزنى معلومة ; فلما كانت هذه المعصية غيرها وجب ألا يشاركها في حدها . ويأثرون في هذا حديثا : من وضع حدا في غير حد فقد تعدى وظلم   . وأيضا فإنه وطء في فرج لا يتعلق به إحلال ولا إحصان ، ولا وجوب مهر ولا ثبوت نسب ; فلم يتعلق به حد . 
الثالثة : فإن أتى بهيمة فقد قيل : لا يقتل هو ولا البهيمة . وقيل : يقتلان ; حكاه ابن المنذر  عن أبي سلمة  بن عبد الرحمن    . وفي الباب حديث رواه أبو داود   والدارقطني  عن ابن عباس  قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة معه . فقلنا لابن   [ ص: 221 ] عباس    : ما شأن البهيمة ؟ قال : ما أراه قال ذلك ، إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل . قال ابن المنذر    : إن يك الحديث ثابتا فالقول به يجب ، وإن لم يثبت فليستغفر الله من فعل ذلك كثيرا ، وإن عزره  الحاكم  كان حسنا . والله أعلم . وقد قيل : إن قتل البهيمة لئلا تلقي خلقا مشوها ; فيكون قتلها مصلحة لهذا المعنى مع ما جاء من السنة . والله أعلم . وقد روى أبو داود  عن ابن عباس  قال : ليس على الذي زنى بالبهيمة  حد   . قال أبو داود    : وكذا قال عطاء    . وقال الحكم    : أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد . وقال الحسن    : هو بمنزلة الزاني . وقال الزهري    : يجلد مائة أحصن أو لم يحصن . وقال مالك   والثوري  وأحمد  وأصحاب الرأي يعزر . وروي عن عطاء  والنخعي  والحكم    . واختلفت الرواية عن  الشافعي  ، وهذا أشبه على مذهبه في هذا الباب . وقال جابر بن زيد    : يقام عليه الحد ، إلا أن تكون البهيمة له . 
الرابعة قوله تعالى ما سبقكم بها من أحد من العالمين  من لاستغراق الجنس ، أي لم يكن اللواط في أمة قبل قوم لوط     . والملحدون يزعمون أن ذلك كان قبلهم . والصدق ما ورد به القرآن . وحكى النقاش  أن إبليس كان أصل عملهم بأن دعاهم إلى نفسه لعنه الله ، فكان ينكح بعضهم بعضا . قال الحسن    : كانوا يفعلون ذلك بالغرباء ، ولم يكن يفعله بعضهم ببعض . وروى ابن ماجه  عن  جابر بن عبد الله  قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط     . وقال  محمد بن سيرين    : ليس شيء من الدواب يعمل عمل قوم لوط   إلا الخنزير والحمار . 
				
						
						
