[ ص: 248 ] القول في ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ( 143 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ولقد كنتم تمنون الموت " ، ولقد كنتم ، يا معشر أصحاب محمد " تمنون الموت " ، يعني أسباب الموت ، وذلك : القتال "فقد رأيتموه " ، فقد رأيتم ما كنتم تمنونه - و "الهاء " في قوله "رأيتموه " عائدة على "الموت " ، والمعنى : [ القتال ] "وأنتم تنظرون " ، يعني : قد رأيتموه بمرأى منكم ومنظر ، أي بقرب منكم .
وكان بعض أهل العربية يزعم أنه قيل : " وأنتم تنظرون " ، على وجه التوكيد للكلام ، كما يقال : "رأيته عيانا " و "رأيته بعيني ، وسمعته بأذني " .
قال أبو جعفر : وإنما قيل : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، لأن قوما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يشهد بدرا ، كانوا يتمنون قبل أحد يوما مثل يوم بدر ، فيبلوا الله من أنفسهم خيرا ، وينالوا من الأجر مثل ما نال أهل بدر . فلما كان يوم أحد فر بعضهم ، وصبر بعضهم حتى أوفى بما كان عاهد الله قبل ذلك ، فعاتب الله من فر منهم فقال : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، الآية ، وأثنى على الصابرين منهم والموفين بعهدهم .
ذكر الأخبار بما ذكرنا من ذلك :
7930 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، قال : غاب رجال عن بدر ، فكانوا [ ص: 249 ] يتمنون مثل يوم بدر أن يلقوه ، فيصيبوا من الخير والأجر مثل ما أصاب أهل بدر . فلما كان يوم أحد ، ولى من ولى منهم ، فعاتبهم الله أو : فعابهم ، أو : فعيبهم على ذلك . شك أبو عاصم .
7931 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد نحوه - إلا أنه قال : "فعاتبهم الله على ذلك " ، ولم يشك .
7932 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أناس من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطى الله أهل بدر من الفضل والشرف والأجر ، فكان يتمنون أن يرزقوا قتالا فيقاتلوا ، فسيق إليهم القتال حتى كان في ناحية المدينة يوم أحد ، فقال الله عز وجل كما تسمعون : "ولقد كنتم تمنون الموت " ، حتى بلغ "الشاكرين " .
7933 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، قال : كانوا يتمنون أن يلقوا المشركين فيقاتلوهم ، فلما لقوهم يوم أحد ولوا .
7934 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : إن أناسا من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطاهم الله من الفضل ، فكانوا يتمنون أن يروا قتالا فيقاتلوا ، فسيق إليهم القتال حتى كان بناحية المدينة يوم أحد ، فأنزل الله عز وجل : "ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه " ، الآية .
7935 - حدثني قال : حدثنا محمد بن بشار هوذة قال : حدثنا عوف ، [ ص: 250 ] عن الحسن قال : بلغني أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : "لإن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم لنفعلن ولنفعلن " ، فابتلوا بذلك ، فلا والله ما كلهم صدق الله ، فأنزل الله عز وجل . " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " .
7936 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن : كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يشهدوا السدي بدرا ، فلما رأوا فضيلة أهل بدر قالوا : "اللهم إنا نسألك أن ترينا يوما كيوم بدر نبليك فيه خيرا "! فرأوا أحدا ، فقال لهم : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " .
7937 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أي : لقد كنتم تمنون الشهادة على الذي أنتم عليه من الحق قبل أن تلقوا عدوكم يعني الذين استنهضوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على خروجه بهم إلى عدوهم ، لما فاتهم من الحضور في اليوم الذي كان قبله ببدر ، رغبة في الشهادة التي قد فاتتهم به . يقول : " فقد رأيتموه وأنتم تنظرون " ، أي : الموت بالسيوف في أيدي الرجال ، قد خلى بينكم وبينهم ، وأنتم تنظرون إليهم ، فصددتم عنهم .