القول في تأويل قوله ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ( 187 ) )
قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : واذكر أيضا من [ أمر ] هؤلاء اليهود وغيرهم من أهل الكتاب منهم ، يا محمد ، إذ أخذ الله ميثاقهم ، ليبينن للناس أمرك الذي أخذ ميثاقهم على بيانه للناس في كتابهم الذي في أيديهم ، وهو التوراة والإنجيل ، وأنك لله رسول مرسل بالحق ، ولا يكتمونه" فنبذوه وراء ظهورهم " ، [ ص: 459 ] يقول : فتركوا أمر الله وضيعوه . ونقضوا ميثاقه الذي أخذ عليهم بذلك ، فكتموا أمرك ، وكذبوا بك" واشتروا به ثمنا قليلا " ، يقول : وابتاعوا بكتمانهم ما أخذ عليهم الميثاق أن لا يكتموه من أمر نبوتك ، عوضا منه خسيسا قليلا من عرض الدنيا ثم ذم جل ثناؤه شراءهم ما اشتروا به من ذلك فقال : " فبئس ما يشترون " .
واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية .
فقال بعضهم : عني بها اليهود خاصة .
ذكر من قال ذلك :
8318 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا قال : حدثنا يونس بن بكير محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة : أنه حدثه ، عن ابن عباس : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " إلى قوله : "عذاب أليم" ، يعني : فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار .
8319 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن مثله . [ ص: 460 ] عكرمة مولى ابن عباس
8320 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " ، كان أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته ، وقال : ( اتبعوه لعلكم تهتدون ) [ سورة الأعراف : 158 ] فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم قال : ( وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ) [ سورة البقرة : 40 ] عاهدهم على ذلك ، فقال حين بعث محمدا : صدقوه ، وتلقون الذي أحببتم عندي .
8321 - حدثنا محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس " الآية ، قال : إن الله أخذ ميثاق اليهود ليبيننه للناس ، محمدا صلى الله عليه وسلم ، ولا يكتمونه ، "فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا " .
8322 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين قال : سأل جلساءه عن هذه الآية : " الحجاج بن يوسف وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " ، فقام رجل إلى سعيد بن جبير فسأله فقال : " وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب" يهود ، "ليبيننه للناس" ، محمدا صلى الله عليه وسلم ، "ولا يكتمونه فنبذوه" .
8323 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قوله : " ابن جريج وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " ، قال : وكان فيه إن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده ، وأن محمدا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .
وقال آخرون : عني بذلك كل من أوتي علما بأمر الدين .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 461 ]
8324 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم " الآية ، هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ، فمن علم شيئا فليعلمه ، وإياكم وكتمان العلم ، فإن هلكة ، ولا يتكلفن رجل ما لا علم له به ، فيخرج من دين الله فيكون من المتكلفين ، كان يقال : "مثل علم لا يقال به ، كمثل كنز لا ينفق منه ! ومثل حكمة لا تخرج ، كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب" . وكان يقال : "طوبى لعالم ناطق ، وطوبى لمستمع واع" . هذا رجل علم علما فعلمه وبذله ودعا إليه ، ورجل سمع خيرا فحفظه ووعاه وانتفع به . كتمان العلم
8325 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة قال : جاء رجل إلى قوم في المسجد وفيه فقال : إن أخاكم عبد الله بن مسعود كعبا يقرئكم السلام ، ويبشركم أن هذه الآية ليست فيكم : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " . فقال له عبد الله : وأنت فأقره السلام وأخبره أنها نزلت وهو يهودي .
8326 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة بنحوه ، عن عبد الله وكعب .
وقال آخرون : معنى ذلك : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .
ذكر من قال ذلك :
8327 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان قال : حدثني يحيى بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير قال : قلت : إن أصحاب لابن عباس عبد الله يقرءون : وإذ أخذ ربك من الذين أوتوا الكتاب ميثاقهم ، قال : من النبيين على قومهم . [ ص: 462 ]
8328 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا قبيصة قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد قال : قلت : إن أصحاب لابن عباس عبد الله يقرءون : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب " ، ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) ، قال فقال : أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم .
وأما قوله : " لتبيننه للناس " ، فإنه كما : -
8329 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال : حدثني أبي قال : حدثنا محمد بن ذكوان قال : حدثنا أبو نعامة السعدي قال : كان الحسن يفسر قوله : " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه " ، لتتكلمن بالحق ، ولتصدقنه بالعمل .
قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة ذلك :
فقرأه بعضهم : ( لتبيننه للناس ولا تكتمونه ) بالتاء . وهي قراءة عظم قرأة أهل المدينة والكوفة ، على وجه المخاطب ، بمعنى : قال الله لهم : لتبيننه للناس ولا تكتمونه .
وقرأ ذلك آخرون : ليبيننه للناس ولا يكتمونه بالياء جميعا ، على وجه الخبر عن الغائب ، لأنهم في وقت إخبار الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك عنهم ، كانوا غير موجودين ، فصار الخبر عنهم كالخبر عن الغائب .
[ ص: 463 ]
قال أبو جعفر : والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان ، صحيحة وجوههما ، مستفيضتان في قرأة الإسلام ، غير مختلفتي المعاني ، فبأيتهما قرأ القارئ فقد أصاب الحق والصواب في ذلك . غير أن الأمر في ذلك وإن كان كذلك ، فإن أحب القراءتين إلي أن أقرأ بها : ( " ليبيننه للناس ولا يكتمونه " ) ، بالياء جميعا ، استدلالا بقوله : "فنبذوه" ، إذ كان قد خرج مخرج الخبر عن الغائب على سبيل قوله : "فنبذوه" حتى يكون متسقا كله على معنى واحد ومثال واحد . ولو كان الأول بمعنى الخطاب ، لكان أن يقال : "فنبذتموه وراء ظهوركم" أولى ، من أن يقال : "فنبذوه وراء ظهورهم" .
وأما قوله : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، فإنه مثل لتضييعهم القيام بالميثاق وتركهم العمل به .
وقد بينا المعنى الذي من أجله قيل ذلك كذلك ، فيما مضى من كتابنا هذا فكرهنا إعادته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
8330 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن إدريس قال : أخبرنا يحيى بن أيوب البجلي ، عن الشعبي في قوله : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، قال : إنهم قد كانوا يقرءونه ، إنما نبذوا العمل به .
8331 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن [ ص: 464 ] : " ابن جريج فنبذوه وراء ظهورهم " ، قال : نبذوا الميثاق .
8332 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا عثمان بن عمر قال : حدثنا : قال : نبئت عن مالك بن مغول الشعبي في هذه الآية : " فنبذوه وراء ظهورهم " ، قال : قذفوه بين أيديهم ، وتركوا العمل به .
وأما قوله : " واشتروا به ثمنا قليلا " ، فإن معناه ما قلنا ، من أخذهم ما أخذوا على كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب ، كما : -
8333 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي واشتروا به ثمنا قليلا " ، أخذوا طمعا ، وكتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم .
وقوله : " فبئس ما يشترون " ، يقول : فبئس الشراء يشترون في تضييعهم الميثاق وتبديلهم الكتاب ، كما : -
8334 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فبئس ما يشترون " ، قال : تبديل اليهود التوراة .