القول في تأويل قوله ( الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض )
قال أبو جعفر : وقوله : " الذين يذكرون الله قياما وقعودا " من نعت"أولي الألباب" ، و"الذين" في موضع خفض ردا على قوله : "لأولي الألباب" .
ومعنى الآية : إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، الذاكرين الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم يعني بذلك : قياما في صلاتهم ، وقعودا في تشهدهم وفي غير صلاتهم ، وعلى جنوبهم نياما . كما : -
8354 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 475 ] قوله : " ابن جريج ، الذين يذكرون الله قياما وقعودا " الآية ، قال : هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة ، وقراءة القرآن .
8355 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " ، وهذه حالاتك كلها يا ابن آدم ، فاذكره وأنت على جنبك ، يسرا من الله وتخفيفا .
قال أبو جعفر : فإن قال قائل : وكيف قيل : "وعلى جنوبهم" : فعطف ب"على" ، وهي صفة ، على"القيام والقعود" وهما اسمان؟
قيل : لأن قوله : " وعلى جنوبهم " في معنى الاسم ، ومعناه : ونياما ، أو : "مضطجعين على جنوبهم" ، فحسن عطف ذلك على"القيام" و"القعود" لذلك المعنى ، كما قيل : ( وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) [ سورة يونس : 12 ] فعطف بقوله : " أو قاعدا أو قائما " على قوله : "لجنبه" ، لأن معنى قوله : "لجنبه" ، مضطجعا ، فعطف ب"القاعد" و"القائم" على معناه ، فكذلك ذلك في قوله : " وعلى جنوبهم " .
وأما قوله : " ويتفكرون في خلق السماوات والأرض " ، فإنه يعني بذلك أنهم يعتبرون بصنعة صانع ذلك ، فيعلمون أنه لا يصنع ذلك إلا من ليس كمثله شيء ، ومن هو مالك كل شيء ورازقه ، وخالق كل شيء ومدبره ، ومن هو على كل شيء قدير ، وبيده الإغناء والإفقار ، والإعزاز والإذلال ، والإحياء والإماتة ، والشقاء والسعادة .