[ ص: 490 ] القول في تأويل قوله ( ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ( 195 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " فالذين هاجروا " قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم في الله ، إلى إخوانهم من أهل الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ، " وأخرجوا من ديارهم " ، وهم قريش من ديارهم بمكة " المهاجرون الذين أخرجهم مشركو وأوذوا في سبيلي " ، يعني : وأوذوا في طاعتهم ربهم ، وعبادتهم إياه مخلصين له الدين ، وذلك هو"سبيل الله" التي آذى فيها المشركون من أهل مكة المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها"وقاتلوا" يعني : وقاتلوا في سبيل الله"وقتلوا" فيها" لأكفرن عنهم سيئاتهم " ، يعني : لأمحونها عنهم ، ولأتفضلن عليهم بعفوي ورحمتي ، ولأغفرنها لهم" ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا " ، يعني : جزاء لهم على ما عملوا وأبلوا في الله وفي سبيله"من عند الله" ، يعني : من قبل الله لهم" والله عنده حسن الثواب " ، يعني : أن الله عنده من جزاء أعمالهم جميع صنوفه ، [ ص: 491 ] وذلك ما لا يبلغه وصف واصف ، لأنه مما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، كما : -
8370 - حدثنا عبد الرحمن بن وهب قال : حدثنا عمي قال : حدثني عبد الله بن وهب عمرو بن الحارث : أن أبا عشانة المعافري حدثه : أنه سمع يقول : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عبد الله بن عمرو بن العاص لفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره ، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا ، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان ، لم تقض حتى يموت وهي في صدره ، وأن الله يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول : "أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا ، وأوذوا في سبيلي ، وجاهدوا في سبيلي؟ ادخلوا الجنة" ، فيدخلونها بغير عذاب ولا حساب ، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : "ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ، ونقدس لك ، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا" فيقول الرب جل ثناؤه : "هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي" . فتدخل الملائكة عليهم من كل باب : ( أول ثلة تدخل الجنة سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) . [ سورة الرعد : 24 ] [ ص: 492 ] إن
قال أبو جعفر : واختلفت القرأة في قراءة قوله : "وقاتلوا وقتلوا" .
فقرأه بعضهم : ( " وقتلوا وقتلوا" ) بالتخفيف ، بمعنى : أنهم قتلوا من قتلوا من المشركين .
وقرأ ذلك آخرون : ( وقاتلوا وقتلوا ) بتشديد"قتلوا" ، بمعنى : أنهم قاتلوا المشركين وقتلهم المشركون ، بعضا بعد بعض ، وقتلا بعد قتل .
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض الكوفيين : ( وقاتلوا وقتلوا ) بالتخفيف ، بمعنى : أنهم قاتلوا المشركين وقتلوا .
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين : "وقتلوا" بالتخفيف . "وقاتلوا" ، بمعنى : أن بعضهم قتل ، وقاتل من بقي منهم .
قال أبو جعفر : والقراءة التي لا أستجيز أن أعدوها ، إحدى هاتين القراءتين ، وهي : "وقاتلوا وقتلوا" بالتخفيف ، أو"وقتلوا" بالتخفيف"وقاتلوا" لأنها القراءة المنقولة نقل وراثة ، وما عداهما فشاذ . وبأي هاتين القراءتين التي ذكرت أني لا أستجيز أن أعدوهما ، قرأ قارئ فمصيب في ذلك الصواب من القراءة ، لاستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في قرأة الإسلام ، مع اتفاق معنييهما .