[ ص: 215 ] القول في تأويل قوله عز ذكره ( إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين    ( 29 ) ) 
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . 
فقال بعضهم : معناه : إني أريد أن تبوء بإثمي من قتلك إياي ، وإثمك في معصيتك الله ، وغير ذلك من معاصيك . 
ذكر من قال ذلك : 
11730 - حدثني موسى بن هارون ،  قال : حدثنا عمرو بن حماد  قال : حدثنا أسباط ،  عن  السدي  في حديثه ، عن أبي مالك  وعن أبي صالح ،  عن ابن عباس  وعن مرة ،  عن ابن مسعود  وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك   " ، يقول : إثم قتلي ، إلى إثمك الذي في عنقك" فتكون من أصحاب النار   " . 
11731 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك   " ، يقول : بقتلك إياي ، وإثمك قبل ذلك . 
11732 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة   : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك   " ، قال : بإثم قتلي وإثمك  . 
11733 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد  في قوله : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك   " يقول : إني أريد أن يكون عليك خطيئتك ودمي ، تبوء بهما جميعا  . 
11734 - حدثني الحارث  قال : حدثنا عبد العزيز ،  عن سفيان ،  عن  [ ص: 216 ] منصور ،  عن مجاهد   : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك   " ، يقول : إني أريد أن تبوء بقتلك إياي "وإثمك" ، قال : بما كان منك قبل ذلك  . 
11735 - حدثت عن الحسين بن الفرج  قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد  قال : حدثني عبيد بن سليمان ،  عن الضحاك  قوله : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك   " ، قال : أما "إثمك" ، فهو الإثم الذي عمل قبل قتل النفس يعني أخاه ، وأما "إثمه" ، فقتله أخاه . 
وكأن قائلي هذه المقالة وجهوا تأويل قوله : "إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك " ، إلى : إني أريد أن تبوء بإثم قتلي ، فحذف " القتل " ، واكتفى بذكر " الإثم " ، إذ كان مفهوما معناه عند المخاطبين به . 
وقال آخرون : معنى ذلك : إني أريد أن تبوء بخطيئتي ، فتتحمل وزرها ، وإثمك في قتلك إياي . وهذا قول وجدته عن مجاهد ،  وأخشى أن يكون غلطا ، لأن الصحيح من الرواية عنه ما قد ذكرنا قبل . 
ذكر من قال ذلك : 
11736 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : " إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك   " ، يقول : إني أريد أن تكون عليك خطيئتي ودمي ، فتبوء بهما جميعا  . 
قال أبو جعفر   : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن تأويله : إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي وذلك هو معنى قوله : " إني  [ ص: 217 ] أريد أن تبوء بإثمي " وأما معنى : " وإثمك " فهو إثمه بغير قتله ، وذلك معصيته الله جل ثناؤه في أعمال سواه . 
وإنما قلنا ذلك هو الصواب ، لإجماع أهل التأويل عليه . لأن الله عز ذكره قد أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه . وإذا كان ذلك حكمه في خلقه ، فغير جائز أن يكون آثام المقتول مأخوذا بها القاتل ، وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه ، دون ما ركبه قتيله . 
فإن قال قائل : أو ليس قتل المقتول من بني آدم كان معصية لله من القاتل؟ قيل : بلى ، وأعظم بها معصية! 
فإن قال : فإذا كان لله جل وعز معصية ، فكيف جاز أن يريد ذلك منه المقتول ، ويقول : " إني أريد أن تبوء بإثمي   " ، وقد ذكرت أن تأويل ذلك : إني أريد أن تبوء بإثم قتلي؟ [ قيل ] معناه : إني أريد أن تبوء بإثم قتلي إن قتلتني ، لأني لا أقتلك ، فإن أنت قتلتني ، فإني مريد أن تبوء بإثم معصيتك الله في قتلك إياي . وهو إذا قتله فهو لا محالة باء به في حكم الله ، فإرادته ذلك غير موجبة له الدخول في الخطإ . 
ويعني بقوله : " فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين   " ، يقول : فتكون بقتلك إياي من سكان الجحيم ، ووقود النار المخلدين فيها " وذلك جزاء الظالمين " ، يقول : والنار ثواب التاركين طريق الحق ، الزائلين عن قصد  [ ص: 218 ] السبيل ، المتعدين ما جعل لهم إلى ما لم يجعل لهم . 
وهذا يدل على أن الله عز ذكره قد كان أمر ونهى آدم بعد أن أهبطه إلى الأرض ، ووعد وأوعد . ولولا ذلك ما قال المقتول للقاتل : "فتكون من أصحاب النار" بقتلك إياي ، ولا أخبره أن ذلك جزاء الظالمين . فكان مجاهد  يقول : علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه في الشمس حيثما دارت دار ، عليه في الصيف حظيرة من نار ، وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج  . 
11737 - حدثنا بذلك القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  قال : قال  ابن جريج  قال مجاهد  ذلك قال : وقال عبد الله بن عمرو   : وإنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب ، عليه شطر عذابهم  . 
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بنحو ما روي عن عبد الله بن عمرو ،  خبر . 
11738 - حدثنا ابن حميد ،  قال : حدثنا جرير ،  وحدثنا سفيان  قال : حدثنا جرير ،  وأبو معاوية  ح ، وحدثنا هناد  قال : حدثنا أبو معاوية ،   ووكيع  جميعا ، عن الأعمش ،  عن عبد الله بن مرة ،  عن مسروق ،  عن عبد الله  قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما من نفس تقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها ، ذلك بأنه أول من سن القتل  . 
11739 - حدثنا سفيان  قال : حدثنا أبي ح ، وحدثنا ابن بشار  قال : حدثنا عبد الرحمن  جميعا ، عن سفيان ،  عن الأعمش ،  عن عبد الله بن مرة ،  عن مسروق ،  عن عبد الله ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .  [ ص: 219 ] 
11740 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن حسن بن صالح ،  عن إبراهيم بن مهاجر ،  عن  إبراهيم النخعي  قال : ما من مقتول يقتل ظلما ، إلا كان على ابن آدم الأول والشيطان كفل منه  . 
11741 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا سلمة ،  عن ابن إسحاق ،  عن حكيم بن حكيم ،  أنه حدث عن عبد الله بن عمرو   : أنه كان يقول : إن أشقى الناس رجلا لابن آدم الذي قتل أخاه ، ما سفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شيء ، وذلك أنه أول من سن القتل  . 
قال أبو جعفر   : وهذا الخبر الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مبين عن أن القول الذي قاله الحسن  في ابني آدم  اللذين ذكرهما الله في هذا الموضع أنهما ليسا بابني آدم  لصلبه ، ولكنهما رجلان من بني إسرائيل وأن القول الذي حكي عنه أن أول من مات آدم ،  وأن القربان الذي كانت  [ ص: 220 ] النار تأكله لم يكن إلا في بني إسرائيل خطأ ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن هذا القاتل الذي قتل أخاه : أنه أول من سن القتل . وقد كان لا شك القتل قبل إسرائيل ، فكيف قبل ذريته؟! فخطأ من القول أن يقال : أول من سن القتل رجل من بني إسرائيل . 
وإذ كان ذلك كذلك ، فمعلوم أن الصحيح من القول هو قول من قال : "هو ابن آدم لصلبه" ، لأنه أول من سن القتل ، فأوجب الله له من العقوبة ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . 
				
						
						
