القول في تأويل قوله ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ( 3 ) )
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام : اتبعوا ، أيها [ ص: 298 ] الناس ، ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى ، واعملوا بما أمركم به ربكم ، ولا تتبعوا شيئا من دونه يعني : شيئا غير ما أنزل إليكم ربكم . يقول : لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان ، فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم .
فإن قال قائل : وكيف قلت : " معنى الكلام : قل اتبعوا " ، وليس في الكلام موجودا ذكر القول ؟
قيل : إنه وإن لم يكن مذكورا صريحا ، فإن في الكلام دلالة عليه ، وذلك قوله : ( فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به ) ، ففي قوله : " لتنذر به " ، الأمر بالإنذار ، وفي الأمر بالإنذار ، الأمر بالقول ؛ لأن الإنذار قول . فكأن معنى الكلام : أنذر القوم وقل لهم : اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم .
ولو قيل معناه : لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم : اتبعوا ما أنزل إليكم كان غير مدفوع .
وقد كان بعض أهل العربية يقول : قوله : ( اتبعوا ) ، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومعناه : كتاب أنزل إليك ، فلا يكن في صدرك حرج منه ، اتبع ما أنزل إليك من ربك ويرى أن ذلك نظير قول الله : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) [ سورة الطلاق : 1 ] ، إذ ابتدأ خطاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم جعل الفعل للجميع ، إذ كان أمر الله نبيه بأمر ، أمرا منه لجميع أمته ، كما يقال للرجل يفرد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته : " أما تتقون الله ، أما تستحيون من الله! " ، ونحو ذلك من الكلام .
وذلك وإن كان وجها غير مدفوع ، فالقول الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام ، [ ص: 299 ] لدلالة الظاهر الذي وصفنا عليه .
وقوله : ( قليلا ما تذكرون ) ، يقول : قليلا ما تتعظون وتعتبرون فتراجعون الحق .