القول في تأويل قوله ( ولباس التقوى ذلك خير   )  
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . 
فقال بعضهم : " لباس التقوى " ، هو الإيمان . 
ذكر من قال ذلك : 
14438 - حدثنا بشر بن معاذ  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد  ، عن قتادة   : ( ولباس التقوى   ) ، هو الإيمان . 
14439 - حدثني محمد بن الحسين  قال ، حدثنا أحمد بن المفضل  قال ، حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : ( ولباس التقوى   ) ، الإيمان . 
14440 - حدثنا القاسم  قال ، حدثنا الحسين  قال ، أخبرني حجاج  ، عن  ابن جريج   : ( ولباس التقوى   ) ، الإيمان . 
وقال آخرون : هو الحياء . 
ذكر من قال ذلك : 
14441 - حدثنا  محمد بن بشار  قال ، حدثنا محمد بن جعفر  وسهل بن يوسف  ، عن عوف  ، عن معبد الجهني  في قوله : ( ولباس التقوى   ) ، الذي ذكر الله في القرآن ، هو الحياء . 
14442 - حدثني يعقوب بن إبراهيم  قال ، حدثنا  ابن علية  قال ، أخبرنا  [ ص: 367 ] عوف  قال : قال معبد الجهني  ، فذكر مثله . 
14443 - حدثنا ابن وكيع  قال ، حدثنا أبو أسامة  ، عن عوف  ، عن معبد ،  بنحوه . 
وقال آخرون : هو العمل الصالح . 
ذكر من قال ذلك : 
14444 - حدثني محمد بن سعد  قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   : ( ولباس التقوى ذلك خير   ) ، قال : لباس التقوى : العمل الصالح . 
وقال آخرون : بل ذلك هو السمت الحسن . 
ذكر من قال ذلك : 
14445 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة  قال ، حدثنا عبد الله بن داود  ، عن محمد بن موسى  ، عن . . . . بن عمرو  ، عن ابن عباس   : ( ولباس التقوى   ) ، قال : السمت الحسن في الوجه . 
14446 - حدثني المثنى  قال ، حدثنا إسحاق بن الحجاج  قال ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل  ، عن سليمان بن أرقم  ، عن الحسن  قال : رأيت  عثمان بن عفان  على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عليه قميص قوهي محلول الزر ، وسمعته يأمر بقتل الكلاب ، وينهى عن اللعب بالحمام ، ثم قال : يا أيها الناس ،  [ ص: 368 ] اتقوا الله في هذه السرائر ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " والذي نفس محمد  بيده ، ما عمل أحد قط سرا إلا ألبسه الله رداء علانية ، إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا ، ثم تلا هذه الآية : " ورياشا " ولم يقرأها : ( وريشا ) ( ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله   ) ، قال : السمت الحسن  . 
وقال آخرون : هو خشية الله . 
ذكر من قال ذلك : 
14447 - حدثني الحارث  قال ، حدثنا عبد العزيز  قال ، حدثنا أبو سعد المدني  قال ، حدثني من سمع عروة بن الزبير  يقول : ( لباس التقوى ) ، خشية الله . 
وقال آخرون : ( لباس التقوى ) ، في هذه المواضع ، ستر العورة . 
ذكر من قال ذلك : 
14448 - حدثني يونس  قال ، أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( ولباس التقوى   ) ، يتقي الله ، فيواري عورته ، ذلك " لباس التقوى " .  [ ص: 369 ] 
واختلفت القرأة في قراءة ذلك . 
فقرأته عامة قرأة المكيين  والكوفيين  والبصريين   : ( ولباس التقوى ذلك خير   ) ، برفع " ولباس " . 
وقرأ ذلك عامة قرأة المدينة   : " ولباس التقوى " ، بنصب " اللباس " ، وهي قراءة بعض قرأة الكوفيين   . 
فمن نصب : " ولباس " ، فإنه نصبه عطفا على " الريش " ، بمعنى : قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ، وأنزلنا لباس التقوى . 
وأما الرفع ، فإن أهل العربية مختلفون في المعنى الذي ارتفع به " اللباس " . 
فكان بعض نحويي البصرة  يقول : هو مرفوع على الابتداء ، وخبره في قوله : ( ذلك خير ) . وقد استخطأه بعض أهل العربية في ذلك وقال : هذا غلط ، لأنه لم يعد على " اللباس " في الجملة عائد ، فيكون " اللباس " إذا رفع على الابتداء وجعل " ذلك خير " خبرا . 
وقال بعض نحويي الكوفة   : ( ولباس ) ، يرفع بقوله : ولباس التقوى خير ، ويجعل " ذلك " من نعته . 
قال أبو جعفر   : وهذا القول عندي أولى بالصواب في رافع " اللباس " ، لأنه لا وجه للرفع إلا أن يكون مرفوعا ب " خير " ، وإذا رفع ب " خير " لم يكن في ذلك وجه إلا أن يجعل " اللباس " نعتا ، لا أنه عائد على " اللباس " من ذكره في قوله : ( ذلك خير ) ، فيكون خير مرفوعا ب " ذلك " ، و " ذلك " ، به .  [ ص: 370 ] 
فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الكلام إذا رفع " لباس التقوى " : ولباس التقوى ذلك الذي قد علمتموه ، خير لكم يا بني آدم ، من لباس الثياب التي تواري سوآتكم ، ومن الرياش التي أنزلناها إليكم ، هكذا فالبسوه . 
وأما تأويل من قرأه نصبا ، فإنه : " يا بنى آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى " ، هذا الذي أنزلنا عليكم من اللباس الذي يواري سوآتكم ، والريش ، ولباس التقوى خير لكم من التعري والتجرد من الثياب في طوافكم بالبيت  ، فاتقوا الله والبسوا ما رزقكم الله من الرياش ، ولا تطيعوا الشيطان بالتجرد والتعري من الثياب ، فإن ذلك سخرية منه بكم وخدعة ، كما فعل بأبويكم آدم  وحواء ،  فخدعهما حتى جردهما من لباس الله الذي كان ألبسهما بطاعتهما له ، في أكل ما كان الله نهاهما عن أكله من ثمر الشجرة التي عصياه بأكلها . 
قال أبو جعفر   : وهذه القراءة أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب ، أعني نصب قوله : " ولباس التقوى " ، لصحة معناه في التأويل على ما بينت ، وأن الله إنما ابتدأ الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سوآتنا والرياش ، توبيخا للمشركين الذين كانوا يتجردون في حال طوافهم بالبيت ، ويأمرهم بأخذ ثيابهم والاستتار بها في كل حال ، مع الإيمان به واتباع طاعته ويعلمهم أن كل ذلك خير من كل ما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله ، وتعريهم ، لا أنه أعلمهم أن بعض ما أنزل إليهم خير من بعض . 
وما يدل على صحة ما قلنا في ذلك ، الآيات التي بعد هذه الآية ، وذلك قوله : ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما   ) وما بعد ذلك من الآيات إلى قوله : ( وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون   ) ، فإنه جل ثناؤه يأمر في كل ذلك بأخذ الزينة من الثياب ، واستعمال اللباس وترك التجرد والتعري ، وبالإيمان به ، واتباع أمره والعمل بطاعته ،  [ ص: 371 ] وينهى عن الشرك به واتباع أمر الشيطان ، مؤكدا في كل ذلك ما قد أجمله في قوله : ( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير   ) . 
قال أبو جعفر   : وأولى الأقوال بالصحة في تأويل قوله : " ولباس التقوى   " ، استشعار النفوس تقوى الله ، في الانتهاء عما نهى الله عنه من معاصيه ، والعمل بما أمر به من طاعته ، وذلك يجمع الإيمان ، والعمل الصالح ، والحياء ، وخشية الله ، والسمت الحسن ، لأن من اتقى الله كان به مؤمنا ، وبما أمره به عاملا ومنه خائفا ، وله مراقبا ، ومن أن يرى عند ما يكرهه من عباده مستحييا . ومن كان كذلك ظهرت آثار الخير فيه ، فحسن سمته وهديه ، ورئيت عليه بهجة الإيمان ونوره . 
وإنما قلنا : عنى ب " لباس التقوى " ، استشعار النفس والقلب ذلك لأن " اللباس " ، إنما هو ادراع ما يلبس ، واجتياب ما يكتسى ، أو تغطية بدنه أو بعضه به . فكل من ادرع شيئا واجتابه حتى يرى عينه أو أثره عليه ، فهو له " لابس " . ولذلك جعل جل ثناؤه الرجال للنساء لباسا ، وهن لهم لباسا ،  [ ص: 372 ] وجعل الليل لعباده لباسا . 
ذكر من تأول ذلك بالمعنى الذي ذكرنا من تأويله ، إذا قرئ قوله : ( ولباس التقوى   ) ، رفعا . 
14449 - حدثني محمد بن الحسين  قال ، حدثنا أحمد بن المفضل  قال ، حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : ( ولباس التقوى   ) ، الإيمان ( ذلك خير ) ، يقول : ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوآتكم . 
14450 - حدثنا بشر بن معاذ  قال ، حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد  ، عن قتادة  قوله : ( ولباس التقوى   ) ، قال : لباس التقوى خير ، وهو الإيمان . 
				
						
						
