قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : واختار موسى من قومه سبعين رجلا للوقت والأجل الذي وعده الله أن يلقاه فيه بهم ، للتوبة مما كان من فعل سفهائهم في أمر العجل ، كما : -
15152 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن قال : إن الله أمر السدي ، موسى عليه السلام أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل ، يعتذرون إليه من عبادة العجل ، ووعدهم موعدا ، فاختار موسى قومه سبعين رجلا على عينه ، ثم ذهب بهم ليعتذروا . فلما أتوا ذلك المكان قالوا : لن نؤمن لك يا موسى حتى نرى الله جهرة ، فإنك قد كلمته ، فأرناه! فأخذتهم الصاعقة فماتوا ، فقام موسى يبكي ويدعو الله ويقول : رب ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم ، لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي !
15153 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلا الخير فالخير ، وقال : انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه مما صنعتم ، واسألوه التوبة على من تركتم وراءكم من قومكم ، صوموا وتطهروا ، وطهروا ثيابكم! فخرج بهم إلى طور سيناء ، لميقات وقته له ربه . وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم . فقال السبعون فيما ذكر لي حين صنعوا ما أمرهم به ، وخرجوا معه للقاء ربه ، لموسى : اطلب لنا نسمع كلام ربنا! فقال : أفعل . فلما دنا موسى من الجبل ، وقع عليه عمود الغمام ، حتى تغشى الجبل كله . ودنا موسى فدخل فيه ، وقال للقوم : ادنوا! وكان موسى إذا كلمه الله وقع على جبهته نور [ ص: 141 ] ساطع ، لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه! فضرب دونه بالحجاب . ودنا القوم ، حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سجودا ، فسمعوه وهو يكلم موسى ، يأمره وينهاه : افعل ، ولا تفعل! فلما فرغ الله من أمره ، انكشف عن موسى الغمام . فأقبل إليهم ، فقالوا لموسى : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ! فأخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فافتلتت أرواحهم ، فماتوا جميعا ، وقام موسى عليه السلام يناشد ربه ويدعوه ويرغب إليه ، ويقول : رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي! قد سفهوا! أفتهلك من ورائي من بني إسرائيل؟
15154 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلا فاختار سبعين رجلا فبرز بهم ليدعوا ربهم . فكان فيما دعوا الله قالوا : اللهم أعطنا ما لم تعط أحدا بعدنا! فكره الله ذلك من دعائهم ، فأخذتهم الرجفة . قال موسى : رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي!
15155 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا خالد بن حيان ، عن جعفر ، عن ميمون : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : لموعدهم الذي وعدهم .
15156 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : اختارهم لتمام الوعد .
وقال آخرون : إنما أخذتهم الرجفة من أجل دعواهم على موسى قتل هارون . [ ص: 142 ]
ذكر من قال ذلك :
15157 - حدثنا ابن بشار قالا : حدثنا وابن وكيع يحيى بن يمان قال ، حدثنا سفيان قال ، حدثني أبو إسحاق ، عن عمارة بن عبد السلولي ، عن علي رضي الله عنه قال : انطلق موسى وهارون وشبر وشبير ، فانطلقوا إلى سفح جبل ، فنام هارون على سرير ، فتوفاه الله . فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل قالوا له : أين هارون؟ قال : توفاه الله . قالوا : أنت قتلته ، حسدتنا على خلقه ولينه أو كلمة نحوها قال : فاختاروا من شئتم! قال : فاختاروا سبعين رجلا . قال : فذلك قوله : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : فلما انتهوا إليه ، قالوا : يا هارون ، من قتلك؟ قال : ما قتلني أحد ، ولكنني توفاني الله! قالوا : يا موسى لن تعصى بعد اليوم! قال : فأخذتهم الرجفة . قال : فجعل موسى يرجع يمينا وشمالا وقال يا : " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء " ، قال : فأحياهم الله وجعلهم أنبياء كلهم .
15158 - حدثنا قال ، حدثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من بني سلول ، أنه سمع عليا رضي الله عنه يقول في هذه الآية : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، قال : كان هارون [ ص: 143 ] حسن الخلق محببا في بني إسرائيل . قال : فلما مات ، دفنه موسى . قال : فلما أتى بني إسرائيل ، قالوا له : أين هارون؟ قال : مات! فقالوا : قتلته! قال : فاختار منهم سبعين رجلا . قال : فلما أتوا القبر قال موسى : أقتلت أو مت! قال مت! فأصعقوا ، فقال موسى : رب ما أقول لبني إسرائيل؟ إذا رجعت يقولون : أنت قتلتهم! قال : فأحيوا وجعلوا أنبياء .
15159 - حدثني عبد الله بن الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا أبي قال ، حدثنا الربيع بن حبيب قال : سمعت أبا سعيد يعني الرقاشي وقرأ هذه الآية : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، فقال : كانوا أبناء ما عدا عشرين ، ولم يتجاوزوا الأربعين ، وذلك أن ابن عشرين قد ذهب جهله وصباه ، وأن من لم يتجاوز الأربعين لم يفقد من عقله شيئا .
وقال آخرون : إنما أخذت القوم الرجفة ، لتركهم فراق عبدة العجل ، لا لأنهم كانوا من عبدته .
ذكر من قال ذلك :
15160 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، فقرأ حتى بلغ : "السفهاء منا" ، ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول : إنما تناولتهم الرجفة ، لأنهم لم يزايلوا [ ص: 144 ] القوم حين نصبوا العجل ، وقد كرهوا أن يجامعوهم عليه .
15161 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ، قوله : " ابن جريج واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " ، ممن لم يكن قال ذلك القول ، على أنهم لم يجامعوهم عليه ، فأخذتهم الرجفة من أجل أنهم لم يكونوا باينوا قومهم حين اتخذوا العجل . قال : فلما خرجوا ودعوا ، أماتهم الله ثم أحياهم . فلما أخذتهم الرجفة قال : " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا " .
15162 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو سعد قال ، قال مجاهد : " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " و"الميقات" ، الموعد فلما أخذتهم الرجفة بعد أن خرج موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء فلم يستجب لهم ، علم موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصابه قومهم قال أبو سعد فحدثني قال : لم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ويأمروهم بالمعروف . قال : فأخذتهم الرجفة ، فماتوا ثم أحياهم الله . محمد بن كعب القرظي
15163 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن عون ، عن سعيد بن حيان ، عن ابن عباس : أن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه ، إنما أخذتهم الرجفة ، أنهم لم يرضوا ولم ينهوا عن العجل .
15164 - حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا عون قال ، حدثنا سعيد بن حيان ، عن ابن عباس ، بنحوه .
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله : " قومه سبعين رجلا لميقاتنا " . فقال بعض نحويي البصرة : معناه : واختار موسى من قومه سبعين رجلا فلما نزع "من" أعمل الفعل ، كما قال : [ ص: 145 ] الفرزدق
ومنا الذي اختير الرجال سماحة وجودا ، إذا هب الرياح الزعازع
وكما قال الآخر :
أمرتك الخير ، فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب
وقال الراعي :
اخترتك الناس إذ غثت خلائقهم واعتل من كان يرجى عنده السول
وقال بعض نحويي الكوفة : إنما استجيز وقوع الفعل عليهم إذا طرحت "من" ، لأنه مأخوذ من قولك : "هؤلاء خير القوم" و"خير من القوم" ، فلما جازت الإضافة مكان "من" ولم يتغير المعنى ، استجازوا : أن يقولوا : "اخترتكم رجلا" ، و"اخترت منكم رجلا" ، وقد قال الشاعر :
فقلت له : اخترها قلوصا سمينة
[ ص: 147 ]وقال الراجز :
تحت التي اختار له الله الشجر
بمعنى : اختارها له الله من الشجر .
قال أبو جعفر : وهذا القول الثاني أولى عندي في ذلك بالصواب ، لدلالة "الاختيار" على طلب "من" التي بمعنى التبعيض ، ومن شأن العرب أن تحذف الشيء من حشو الكلام إذا عرف موضعه ، وكان فيما أظهرت دلالة على ما حذفت . فهذا من ذلك إن شاء الله . [ ص: 148 ]
وقد بينا معنى "الرجفة" فيما مضى بشواهدها ، وأنها : ما رجف بالقوم وزعزعهم وحركهم ، أهلكهم بعد فأماتهم ، أو أصعقهم ، فسلب أفهامهم .
وقد ذكرنا الرواية في غير هذا الموضع وقول من قال : إنها كانت صاعقة أماتتهم .
15165 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " فلما أخذتهم الرجفة " ، ماتوا ثم أحياهم .
15166 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " سبعين رجلا لميقاتنا " ، اختارهم موسى لتمام الموعد " فلما أخذتهم الرجفة " ، ماتوا ثم أحياهم الله .
15167 - حدثني عبد الكريم قال ، حدثنا إبراهيم قال ، حدثنا سفيان قال ، قال أبو سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : " فلما أخذتهم الرجفة " ، قال : رجف بهم .