قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ( إن الذين اتقوا ) ، الله من خلقه ، فخافوا عقابه ، بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه ( إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ) ، يقول : إذا ألم بهم لمم من الشيطان ، من غضب أو غيره مما [ ص: 334 ] يصد عن واجب حق الله عليهم ، تذكروا عقاب الله وثوابه ، ووعده ووعيده ، وأبصروا الحق فعملوا به ، وانتهوا إلى طاعة الله فيما فرض عليهم ، وتركوا فيه طاعة الشيطان .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : " طيف " .
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والكوفة : ( طائف ) ، على مثال " فاعل " .
وقرأه بعض المكيين والبصريين والكوفيين : " طيف من الشيطان " .
واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين " الطائف " و" الطيف .
فقال بعض البصريين : " الطائف " و" الطيف " سواء ، وهو ما كان كالخيال والشيء يلم بك . قال : ويجوز أن يكون " الطيف " مخففا عن " طيف " مثل " ميت " و" ميت " .
وقال بعض الكوفيين : " الطائف " : ما طاف بك من وسوسة الشيطان . وأما " الطيف " : فإنما هو من اللمم والمس .
وقال أخر منهم : " الطيف " : اللمم ، و" الطائف " : كل شيء طاف بالإنسان .
وذكر عن أنه كان يقول : " الطيف " : الوسوسة . أبي عمرو بن العلاء
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ : ( طائف من الشيطان ) ، لأن أهل التأويل تأولوا ذلك بمعنى الغضب والزلة تكون من المطيف به . وإذا كان ذلك معناه ، كان معلوما إذ كان " الطيف " إنما [ ص: 335 ] هو مصدر من قول القائل : " طاف يطيف " أن ذلك خبر من الله عما يمس الذين اتقوا من الشيطان ، وإنما يمسهم ما طاف بهم من أسبابه ، وذلك كالغضب والوسوسة . وإنما يطوف الشيطان بابن آدم ليستزله عن طاعة ربه ، أو ليوسوس له . والوسوسة والاستزلال هو " الطائف من الشيطان " .
وأما " الطيف " فإنما هو الخيال ، وهو مصدر من " طاف يطيف " ، ويقول : لم أسمع في ذلك " طاف يطيف " ويتأوله بأنه بمعنى " الميت " وهو من الواو .
وحكى البصريون وبعض الكوفيين سماعا من العرب : " طاف يطيف " ، و" طفت أطيف " ، وأنشدوا في ذلك :
أنى ألم بك الخيال يطيف ومطافه لك ذكرة وشعوف
وأما التأويل ، فإنهم اختلفوا في تأويله .
فقال بعضهم : ذلك " الطائف " هو الغضب .
ذكر من قال ذلك .
15555 - حدثنا أبو كريب قالا حدثنا وابن وكيع ابن يمان ، عن [ ص: 336 ] أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد : ( إذا مسهم طائف ) قال : و" الطيف " : الغضب .
15556 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قوله : " إذا مسهم طيف من الشيطان " قال : هو الغضب .
15557 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، عن ، عن ابن جريج عبد الله بن كثير ، عن مجاهد قال : الغضب .
15558 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا ) قال : هو الغضب .
15559 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( طائف من الشيطان ) قال : الغضب .
وقال آخرون : هو اللمة والزلة من الشيطان .
ذكر من قال ذلك :
15560 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ) ، و" الطائف " : اللمة من الشيطان ( فإذا هم مبصرون ) .
15561 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان ) [ ص: 337 ] ، يقول : نزغ من الشيطان ( تذكروا ) .
15562 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : ( السدي إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ) ، يقول : إذا زلوا تابوا .
قال أبو جعفر : وهذان التأويلان متقاربا المعنى ، لأن " الغضب " من استزلال الشيطان ، و" اللمة " من الخطيئة أيضا منه ، وكل ذلك من طائف الشيطان . وإذ كان ذلك كذلك ، فلا وجه لخصوص معنى منه دون معنى ، بل الصواب أن يعم كما عمه جل ثناؤه ، فيقال : إن الذين اتقوا إذا عرض لهم عارض من أسباب الشيطان ، ما كان ذلك العارض ، تذكروا أمر الله وانتهوا إلى أمره .
وأما قوله : ( فإذا هم مبصرون ) ، فإنه يعني : فإذا هم مبصرون هدى الله وبيانه وطاعته فيه ، فمنتهون عما دعاهم إليه طائف الشيطان . كما : -
15563 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فإذا هم مبصرون ) ، يقول : إذا هم منتهون عن المعصية ، آخذون بأمر الله ، عاصون للشيطان .