قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم : ( قاتلوا ) ، أيها المؤمنون ، القوم ( الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ) ، يقول : ولا يصدقون بجنة ولا نار ( ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق ) ، يقول : ولا يطيعون الله طاعة الحق ، يعني : أنهم لا يطيعون طاعة أهل الإسلام ( من الذين أوتوا الكتاب ) ، وهم اليهود والنصارى .
وكل مطيع ملكا وذا سلطان ، فهو دائن له . يقال منه : دان فلان لفلان فهو يدين له ، دينا" ، قال زهير :
لئن حللت بجو في بني أسد في دين عمرو وحالت بيننا فدك
وقوله : ( من الذين أوتوا الكتاب ) ، يعني : الذين أعطوا كتاب الله ، وهم أهل التوراة والإنجيل ( حتى يعطوا الجزية ) .
و"الجزية" : الفعلة من : "جزى فلان فلانا ما عليه" ، إذا قضاه ، "يجزيه" ، و"الجزية" مثل "القعدة" و"الجلسة" .
ومعنى الكلام : حتى يعطوا الخراج عن رقابهم ، الذي يبذلونه للمسلمين دفعا عنها .
وأما قوله : ( عن يد ) ، فإنه يعني : من يده إلى يد من يدفعه إليه .
وكذلك تقول العرب لكل معط قاهرا له ، شيئا طائعا له أو كارها : "أعطاه عن يده ، وعن يد" . وذلك نظير قولهم : "كلمته فما لفم" ، و"لقيته كفة [ ص: 200 ] لكفة ، وكذلك : "أعطيته عن يد ليد" .
وأما قوله : ( وهم صاغرون ) ، فإن معناه : وهم أذلاء مقهورون .
يقال للذليل الحقير : "صاغر" .
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره بحرب الروم ، فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزولها غزوة تبوك .
ذكر من قال ذلك :
16616 - حدثني محمد بن عروة قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ، حين أمر محمد وأصحابه بغزوة تبوك .
16617 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، نحوه .
واختلف أهل التأويل في معنى "الصغار" ، الذي عناه الله في هذا الموضع .
فقال بعضهم : أن يعطيها وهو قائم ، والآخذ جالس .
ذكر من قال ذلك :
16618 - حدثني عبد الرحمن بن بشر النيسابوري قال : حدثنا سفيان ، عن أبي سعد ، عن عكرمة : ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ، قال : [ ص: 201 ] أي تأخذها وأنت جالس ، وهو قائم .
وقال آخرون : حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) ، عن أنفسهم ، بأيديهم يمشون بها ، وهم كارهون ، وذلك قول روي عن معنى قوله : ( ابن عباس ، من وجه فيه نظر .
وقال آخرون : إعطاؤهم إياها ، هو الصغار .