[ ص: 257 ] القول في تأويل قوله ( إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا )
قال أبو جعفر : وهذا إعلام من الله أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم أنه المتوكل بنصر رسوله على أعداء دينه وإظهاره عليهم دونهم ، أعانوه أو لم يعينوه ، وتذكير منه لهم فعل ذلك به ، وهو من العدد في قلة ، والعدو في كثرة ، فكيف به وهو من العدد في كثرة ، والعدو في قلة؟
يقول لهم جل ثناؤه : إلا تنفروا ، أيها المؤمنون ، مع رسولي إذا استنفركم فتنصروه ، فالله ناصره ومعينه على عدوه ومغنيه عنكم وعن معونتكم ونصرتكم؛ كما نصره ( إذ أخرجه الذين كفروا ) ، بالله من قريش من وطنه وداره ( ثاني اثنين ) ، يقول : أخرجوه وهو أحد الاثنين ، أي : واحد من الاثنين .
وكذلك تقول العرب : "هو ثاني اثنين" يعني : أحد الاثنين ، و"ثالث ثلاثة ، ورابع أربعة" ، يعني : أحد الثلاثة ، وأحد الأربعة . وذلك خلاف قولهم : "هو أخو ستة ، وغلام سبعة" ، لأن "الأخ" ، و"الغلام" غير الستة والسبعة ، "وثالث الثلاثة" ، أحد الثلاثة .
وإنما عنى - جل ثناؤه - بقوله : ( ثاني اثنين ) ، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ، لأنهما كانا اللذين خرجا هاربين من قريش إذ هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم واختفيا في الغار .
وقوله : ( إذ هما في الغار ) ، يقول : إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر [ ص: 258 ] رحمة الله عليه ، في الغار .
و"الغار" ، النقب العظيم يكون في الجبل .
( إذ يقول لصاحبه ) ، يقول : إذ يقول رسول الله لصاحبه أبي بكر ، ( لا تحزن ) ، وذلك أنه خاف من الطلب أن يعلموا بمكانهما ، فجزع من ذلك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تحزن" ، لأن الله معنا والله ناصرنا ،
فلن يعلم المشركون بنا ولن يصلوا إلينا .
يقول جل ثناؤه : فقد نصره الله على عدوه وهو بهذه الحال من الخوف وقلة العدد ، فكيف يخذله ويحوجه إليكم ، وقد كثر الله أنصاره ، وعدد جنوده؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16725 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إلا تنصروه ) ، ذكر ما كان في أول شأنه حين بعثه . يقول الله : فأنا فاعل ذلك به وناصره ، كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين .
16726 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد قوله : ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) ، قال : ذكر ما كان في أول شأنه حين بعث ، فالله فاعل به كذلك ، ناصره كما نصره إذ ذاك ( ثاني اثنين إذ هما في الغار ) .
16727 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) ، الآية ، قال : فكان صاحبه أبو بكر ، وأما [ ص: 259 ] "الغار" ، فجبل بمكة يقال له : " ثور " .
16728 - حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا أبان العطار قال : حدثنا ، عن هشام بن عروة عروة قال : لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ، وكان لأبي بكر منيحة من غنم تروح على أهله ، فأرسل أبو بكر عامر بن فهيرة في الغنم إلى ثور . وكان عامر بن فهيرة يروح بتلك الغنم على النبي صلى الله عليه وسلم بالغار في ثور ، وهو "الغار" الذي سماه الله في القرآن .
16729 - حدثني يعقوب بن إبراهيم بن جبير الواسطي قال : حدثنا عفان وحبان قالا : حدثنا همام ، عن ثابت ، أنس ، أن أبا بكر رضي الله عنه حدثهم قال : بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وأقدام المشركين فوق رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله ، لو أن أحدهم رفع قدمه أبصرنا! فقال : يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ [ ص: 260 ] عن
16730 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد قال : مكث أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا .
16731 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الزهري : ( إذ هما في الغار ) ، قال : في الجبل الذي يسمى ثورا ، مكث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثلاث ليال .
16732 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبيه : أن رحمة الله تعالى عليه حين خطب قال : أيكم يقرأ "سورة التوبة"؟ قال رجل : أنا . قال : اقرأ ، فلما بلغ : ( أبا بكر الصديق إذ يقول لصاحبه لا تحزن ) ، بكى أبو بكر وقال : أنا والله صاحبه .