[ ص: 293 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ( 25 ) أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ( 26 ) )
قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه : إني لكم ، أيها القوم ، نذير من الله ، أنذركم بأسه على كفركم به ، فآمنوا به وأطيعوا أمره .
ويعني بقوله : ( مبين ) ، يبين لكم عما أرسل به إليكم من أمر الله ونهيه .
واختلفت القرأة في قراءة قوله : ( إني ) .
فقرأ ذلك عامة قراء الكوفة وبعض المدنيين بكسر " إن " على وجه الابتداء إذ كان في " الإرسال " معنى القول .
وقرأ ذلك بعض قراء أهل المدينة والكوفة والبصرة بفتح " أن " على إعمال الإرسال فيها ، كأن معنى الكلام عندهم : لقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم نذير مبين .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي ، أن يقال إنهما قراءتان متفقتا المعنى ، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ كان مصيبا للصواب في ذلك .
وقوله : ( أن لا تعبدوا إلا الله ) فمن كسر الألف في قوله : ( إني ) جعل قوله : ( أرسلنا ) عاملا في " أن " التي في قوله : ( أن لا تعبدوا إلا الله ) ، ويصير [ ص: 294 ] المعنى حينئذ : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ، أن لا تعبدوا إلا الله ، وقل لهم : إني لكم نذير مبين ، ومن فتحها رد " أن " في قوله : ( أن لا تعبدوا ) عليها . فيكون المعنى حينئذ : لقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم نذير مبين ، بأن لا تعبدوا إلا الله .
ويعني بقوله : [ بأن لا تعبدوا إلا الله أيها الناس ] عبادة الآلهة والأوثان ، وإشراكها في عبادته ، وأفردوا الله بالتوحيد ، وأخلصوا له العبادة ، فإنه لا شريك له في خلقه .
وقوله : ( إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ) ، يقول : إني أيها القوم ، إن لم تخصوا الله بالعبادة ، وتفردوه بالتوحيد ، وتخلعوا ما دونه من الأنداد والأوثان أخاف عليكم من الله عذاب يوم مؤلم عقابه وعذابه لمن عذب فيه .
وجعل " الأليم " من صفة " اليوم " وهو من صفة " العذاب " إذ كان العذاب فيه ، كما قيل : ( وجعل الليل سكنا ) ، [ سورة الأنعام : 96 ] ، وإنما " السكن " من صفة ما سكن فيه دون الليل .