قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : فقال الكبراء من قوم نوح وأشرافهم وهم ( الملأ ) ، الذين كفروا بالله وجحدوا نبوة نبيهم نوح عليه السلام ( ما نراك ) ، يا نوح ( إلا بشرا مثلنا ) ، يعنون بذلك أنه آدمي مثلهم في الخلق والصورة والجنس ، كأنهم كانوا منكرين أن يكون الله يرسل من البشر رسولا إلى خلقه .
وقوله : ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) ، يقول : وما نراك اتبعك إلا الذين هم سفلتنا من الناس ، دون الكبراء والأشراف ، فيما نرى ويظهر لنا . [ ص: 296 ]
وقوله : ( بادي الرأي ) ، اختلفت القرأة في قراءته .
فقرأته عامة قراء المدينة والعراق : ( بادي الرأي ) ، بغير همز " البادي " وبهمز " الرأي " بمعنى : ظاهر الرأي ، من قولهم : " بدا الشيء يبدو " ، إذا ظهر ، كما قال الراجز :
أضحى لخالي شبهي بادي بدي وصار للفحل لساني ويدي
" بادي بدي " بغير همز ، وقال آخر :
وقد علتني ذرأة بادي بدي
وقرأ ذلك بعض أهل البصرة : ( بادئ الرأي ) ، مهموزا أيضا ، بمعنى : مبتدأ الرأي ، من قولهم : " بدأت بهذا الأمر " إذا ابتدأت به قبل غيره .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندنا قراءة من قرأ : ( بادي الرأي ) بغير همز " البادي " وبهمز " الرأي " لأن معنى ذلك الكلام : إلا الذين هم أراذلنا ، في ظاهر الرأي ، وفيما يظهر لنا .
وقوله : ( وما نرى لكم علينا من فضل ) ، يقول : وما نتبين لكم علينا من فضل نلتموه بمخالفتكم إيانا في عبادة الأوثان إلى عبادة الله وإخلاص العبودة له ، فنتبعكم [ ص: 297 ] طلب ذلك الفضل ، وابتغاء ما أصبتموه بخلافكم إيانا ( بل نظنكم كاذبين ) .
وهذا خطاب منهم لنوح عليه السلام ، وذلك أنهم إنما كذبوا نوحا دون أتباعه ، لأن أتباعه لم يكونوا رسلا . وأخرج الخطاب - وهو واحد - مخرج خطاب الجميع ، كما قيل : ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ) ، [ سورة الطلاق : 1 ] .
قال أبو جعفر : وتأويل الكلام : بل نظنك ، يا نوح ، في دعواك أن الله ابتعثك إلينا رسولا كاذبا .
وبنحو ما قلنا في تأويل قوله ( بادي الرأي ) قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18105 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن عن ابن جريج عن عطاء الخراساني ابن عباس قوله : ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) ، قال : فيما ظهر لنا