القول في تأويل قوله تعالى : ( واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر ( 44 ) )
قال أبو جعفر : يقول الله تعالى ذكره : وقال الله للأرض بعد ما تناهى أمره في هلاك قوم نوح بما أهلكهم به من الغرق : ( يا أرض ابلعي ماءك ) ، أي : تشربي .
من قول القائل : "بلع فلان كذا يبلعه" ، أو بلعه يبلعه" ، إذا ازدرده .
( ويا سماء أقلعي ) ، يقول : أقلعي عن المطر ، أمسكي ( وغيض الماء ) ، ذهبت به الأرض ونشفته ، ( وقضي الأمر ) ، يقول : قضي أمر الله ، فمضى بهلاك قوم نوح ( واستوت على الجودي ) ، يعني الفلك "استوت" : أرست "على الجودي" ، وهو جبل ، فيما ذكر ، بناحية الموصل أو الجزيرة ، [ ص: 335 ] ( وقيل بعدا للقوم الظالمين ) ، يقول : قال الله : أبعد الله القوم الظالمين الذين كفروا بالله من قوم نوح .
18187 - حدثنا قال ، حدثنا عباد بن يعقوب الأسدي المحاربي ، عن عثمان بن مطر ، عن عبد العزيز بن عبد الغفور ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في أول يوم من رجب ركب نوح السفينة ، فصام هو وجميع من معه ، وجرت بهم السفينة ستة أشهر ، فانتهى ذلك إلى المحرم ، فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء ، فصام نوح ، وأمر جميع من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرا لله .
18188 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن قال : كانت السفينة أعلاها للطير ، ووسطها للناس ، وفي أسفلها السباع ، وكان طولها في السماء ثلاثين ذراعا ، ودفعت من عين وردة يوم الجمعة لعشر ليال مضين من رجب ، وأرست على الجودي يوم عاشوراء ، ومرت بالبيت فطافت به سبعا ، وقد رفعه الله من الغرق ، ثم جاءت اليمن ، ثم رجعت . [ ص: 336 ] ابن جريج
18189 - حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن عن أبي جعفر الرازي ، قتادة ، قال : هبط نوح من السفينة يوم العاشر من المحرم ، فقال لمن معه : من كان منكم اليوم صائما فليتم صومه ، ومن كان مفطرا فليصم .
18190 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس قال : [ ما ] كان زمن نوح شبر من الأرض ، إلا إنسان يدعيه .
18191 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنها _ يعني الفلك _ استقلت بهم في عشر خلون من رجب ، وكانت في الماء خمسين ومائة يوم ، واستقرت على الجودي شهرا ، وأهبط بهم في عشر [ خلون ] من المحرم يوم عاشوراء .
وبنحو ما قلنا في تأويل قوله : ( وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي ) ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18192 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( وغيض الماء ) ، قال : نقص ( وقضي الأمر ) ، قال : هلاك قوم نوح
18193 - حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . -
18194 حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، [ ص: 337 ] عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله . قال : قال ( ابن جريج وغيض الماء ) ، نشفته الأرض .
18195 - حدثني المثني قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( يا سماء أقلعي ) ، يقول : أمسكي ( وغيض الماء ) ، يقول : ذهب الماء .
18196 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وغيض الماء ) ، والغيوض ذهاب الماء ( واستوت على الجودي ) .
18197 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واستوت على الجودي ) ، قال : جبل بالجزيرة ، تشامخت الجبال من الغرق ، وتواضع هو لله فلم يغرق ، فأرسيت عليه .
18198 - حدثني المثني قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( واستوت على الجودي ) ، قال : الجودي جبل بالجزيرة ، تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت ، وتواضع هو لله فلم يغرق ، وأرسيت سفينة نوح عليه
18199 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
18200 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( واستوت على الجودي ) ، يقول : على الجبل ; واسمه " الجودي "
18201 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان : ( واستوت على الجودي ) ، قال : جبل بالجزيرة ، شمخت الجبال ، وتواضع [ ص: 338 ] حين أرادت أن ترفأ عليه سفينة نوح .
18202 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( واستوت على الجودي ) ، أبقاها الله لنا بوادي أرض الجزيرة عبرة وآية .
18203 - حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول : ( واستوت على الجودي ) ، هو جبل بالموصل .
18204 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن نوحا بعث الغراب لينظر إلى الماء ، فوجد جيفة فوقع عليها ، فبعث الحمامة فأتته بورق الزيتون ، فأعطيت الطوق الذي في عنقها ، وخضاب رجليها .
18205 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما أراد الله أن يكف ذلك يعني الطوفان أرسل ريحا على وجه الأرض ، فسكن الماء ، واستدت ينابيع الأرض الغمر الأكبر ، وأبواب السماء . يقول الله تعالى : ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ) ، إلى : ( بعدا للقوم الظالمين ) ، فجعل الماء ينقص ويغيض ويدبر . وكان استواء الفلك على الجودي ، فيما يزعم أهل التوراة ، في الشهر السابع لسبع عشرة ليلة مضت منه ، في أول يوم من الشهر العاشر ، رئي رءوس الجبال . فلما مضى بعد ذلك أربعون يوما ، فتح نوح كوة الفلك التي صنع فيها ، ثم أرسل الغراب لينظر له ما فعل الماء ، فلم يرجع إليه . فأرسل [ ص: 339 ] الحمامة ، فرجعت إليه ، ولم يجد لرجليها موضعا ، فبسط يده للحمامة ، فأخذها . ثم مكث سبعة أيام ، ثم أرسلها لتنظر له ، فرجعت حين أمست ، وفي فيها ورق زيتونة ، فعلم نوح أن الماء قد قل عن وجه الأرض . ثم مكث سبعة أيام ، ثم أرسلها فلم ترجع ، فعلم نوح أن الأرض قد برزت ، فلما كملت السنة فيما بين أن أرسل الله الطوفان إلى أن أرسل نوح الحمامة ، ودخل يوم واحد من الشهر الأول من سنة اثنتين ، برز وجه الأرض ، فظهر اليبس ، وكشف نوح غطاء الفلك ، ورأى وجه الأرض . وفي الشهر الثاني من سنة اثنتين في سبع وعشرين ليلة منه قيل لنوح : ( اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ) .
18206 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول : تزعم ناس أن من غرق من الولدان مع آبائهم ، وليس كذلك ، إنما الولدان بمنزلة الطير وسائر من أغرق الله بغير ذنب ، ولكن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم ، والمدركون من الرجال والنساء كان الغرق عقوبة من الله لهم في الدنيا ، ثم مصيرهم إلى النار .