قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما رأى إبراهيم أيديهم لا تصل إلى العجل الذي أتاهم به ، والطعام الذي قدم إليهم ، نكرهم ، وذلك أنه لما قدم طعامه صلى الله عليه وسلم إليهم ، فيما ذكر ، كفوا عن أكله ، لأنهم لم يكونوا ممن يأكله . وكان إمساكهم عن أكله ، عند إبراهيم ، وهم ضيفانه مستنكرا . ولم تكن بينهم معرفة ، وراعه أمرهم ، وأوجس في نفسه منهم خيفة .
وكان قتادة يقول : كان إنكاره ذلك من أمرهم ، كما : -
18311 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ) ، وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف فلم يطعم من طعامهم ، ظنوا أنه لم يجئ بخير ، وأنه يحدث نفسه بشر .
18312 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم ) ، قال : كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ، ظنوا أنه لم يأت بخير ، وأنه يحدث نفسه بشر ، ثم حدثوه عند ذلك بما جاؤوا .
وقال غيره في ذلك ما : -
18313 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب بن سفيان قال : لما دخل ضيف إبراهيم عليه [ ص: 388 ] السلام ، قرب إليهم العجل ، فجعلوا ينكتون بقداح في أيديهم من نبل ، ولا تصل أيديهم إليه ، نكرهم عند ذلك .
يقال منه : "نكرت الشيء أنكره" ، و"أنكرته أنكره " ، بمعنى واحد ، ومن "نكرت" و"أنكرت" ، قول الأعشى :
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث ، إلا الشيب والصلعا
فجمع اللغتين جميعا في البيت . وقال أبو ذؤيب :
فنكرنه ، فنفرن ، وامترست به هوجاء هادية وهاد جرشع
وقوله : ( وأوجس منهم خيفة ) ، يقول : أحس في نفسه منهم خيفة وأضمرها . ( قالوا لا تخف ) ، يقول : قالت الملائكة ، لما رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم : لا تخف منا وكن آمنا ، فإنا ملائكة ربك ( أرسلنا إلى قوم لوط ) .