القول في تأويل قوله تعالى : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم    ( 53 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول يوسف  صلوات الله عليه : وما أبرئ نفسي من الخطأ والزلل فأزكيها ( إن النفس لأمارة بالسوء   ) ، يقول : إن النفوس نفوس العباد ، تأمرهم بما تهواه ، وإن كان هواها في غير ما فيه رضا الله ( إلا ما رحم ربي   ) يقول : إلا أن يرحم ربي من شاء من خلقه ، فينجيه من اتباع هواها وطاعتها فيما تأمره به من السوء ( إن ربي غفور رحيم   ) . 
و " ما " في قوله : ( إلا ما رحم ربي   ) ، في موضع نصب ، وذلك أنه استثناء منقطع عما قبله ، كقوله : ( ولا هم ينقذون إلا رحمة منا   ) [ سورة يس : 43 ، 44 ] بمعنى : إلا أن يرحموا . و " أن " ، إذا كانت في معنى المصدر ، تضارع " ما " .  [ ص: 143 ] 
ويعني بقوله : ( إن ربي غفور رحيم   ) ، أن الله ذو صفح عن ذنوب من تاب من ذنوبه ، بتركه عقوبته عليها وفضيحته بها " رحيم " ، به بعد توبته ، أن يعذبه عليها . 
وذكر أن يوسف  قال هذا القول ، من أجل أن يوسف  لما قال : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) ، قال ملك من الملائكة : ولا يوم هممت بها! فقال يوسف  حينئذ : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   ) . 
وقد قيل : إن القائل ليوسف   : " ولا يوم هممت بها ، فحللت سراويلك " ! هو امرأة العزيز ، فأجابها يوسف  بهذا الجواب . 
وقيل : إن يوسف  قال ذلك ابتداء من قبل نفسه . 
ذكر من قال ذلك : 
19428 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا  وكيع  ، عن إسرائيل  ، عن سماك  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : لما جمع الملك النسوة فسألهن : هل راودتن يوسف  عن نفسه؟ قلن حاش لله ، ما علمنا عليه من سوء! قالت امرأة العزيز : ( الآن حصحص الحق   ) الآية . قال يوسف   : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) ، قال فقال له جبريل   : ولا يوم هممت بما هممت! فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   )  . 
19429 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل  ، عن سماك  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : لما جمع الملك النسوة ، قال لهن : أنتن راودتن يوسف  عن نفسه؟ ثم ذكر سائر الحديث ، مثل حديث أبي كريب ، عن  وكيع   . 
19430 - حدثنا الحسن بن محمد  قال : حدثنا عمرو  قال : أخبرنا إسرائيل   [ ص: 144 ] عن سماك  ، عن عكرمة  ، عن ابن عباس  قال : لما جمع فرعون  النسوة ، قال : أنتن راودتن يوسف  عن نفسه؟ ثم ذكر نحوه غير أنه قال : فغمزه جبريل  ، فقال : ولا حين هممت بها! فقال يوسف   : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   )  . 
19431 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا  وكيع  وحدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن مسعر  ، عن أبي حصين  ، عن سعيد بن جبير  قال : لما قال يوسف   : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) . قال جبريل  ، أو ملك : ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   )  . 
19432 - حدثنا عمرو بن علي  قال : حدثنا  وكيع  قال : حدثنا مسعر  ، عن أبي حصين  ، عن سعيد بن جبير ،  بنحوه إلا أنه قال : قال له الملك : ولا حين هممت بها؟ ولم يقل : " أو جبريل   " ، ثم ذكر سائر الحديث مثله . 
19433 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا محمد بن بشر ،   وأحمد بن بشير  ، عن مسعر  ، عن أبى حصين  ، عن سعيد بن جبير   : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) ، قال فقال له الملك أو جبريل   : ولا حين هممت بها؟ فقال يوسف   : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   )  . 
19434 - حدثنا أبو كريب  قال : حدثنا  وكيع  ، عن سفيان  ، عن أبي سنان  ، عن ابن أبي الهذيل  قال : لما قال يوسف   : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) ، قال له جبريل   : ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   )  . 
19435 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان  ، عن أبي سنان  ، عن ابن أبي الهذيل  ، بمثله . 
19436 - حدثنا الحسن بن محمد  قال : حدثنا عمرو  قال : أخبرنا مسعر  ،  [ ص: 145 ] عن أبي حصين  ، عن سعيد بن جبير  ، مثل حديث ابن وكيع  ، عن محمد بن بشر   وأحمد بن بشير  سواء . 
19437 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا العلاء بن عبد الجبار  ،  وزيد بن حباب  ، عن حماد بن سلمة ،  عن ثابت  ، عن الحسن   : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) ، قال له جبريل   : اذكر همك ! فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   )  . 
19438 - حدثنا الحسن  قال : حدثنا عفان  قال : حدثنا حماد  ، عن ثابت  ، عن الحسن   : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) قال جبريل   : يا يوسف  اذكر همك ! قال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   )  . 
19439 - حدثني يعقوب  قال : حدثنا هشيم  ، عن إسماعيل بن سالم  ، عن أبي صالح  ، في قوله : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) ، قال : هذا قول يوسف  قال : فقال له جبريل   : ولا حين حللت سراويلك؟ قال فقال يوسف   : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   ) ، الآية . 
19440 - حدثني المثنى  قال : حدثنا  عمرو بن عون  قال : أخبرنا هشيم  ، عن إسماعيل بن سالم  ، عن أبي صالح  ، بنحوه . 
19441 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال ، حدثنا سعيد ،  عن قتادة  ، قوله : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) ذكر لنا أن الملك الذي كان مع يوسف  ، قال له : اذكر ما هممت به . قال نبي الله : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   )  . 
19442 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن قتادة  قال : بلغني أن الملك قال له حين قال ما قال : أتذكر همك؟ فقال : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي   )  . 
19443 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج  ، عن  ابن جريج  ، عن عكرمة  ، قوله : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) ، قال الملك ،  [ ص: 146 ] وطعن في جنبه : يا يوسف  ، ولا حين هممت؟ قال : فقال : ( وما أبرئ نفسي   )  . 
ذكر من قال : قائل ذلك له المرأة . 
19444 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا عمرو  ، عن أسباط  ، عن  السدي   : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب   ) ، قال : قاله يوسف  حين جيء به ، ليعلم العزيز  أنه لم يخنه بالغيب في أهله ، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين . فقالت امرأة العزيز : يا يوسف ،  ولا يوم حللت سراويلك؟ فقال يوسف   : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   )  . 
ذكر من قال : قائل ذلك يوسف  لنفسه ، من غير تذكير مذكر ذكره ولكنه تذكر ما كان سلف منه في ذلك . 
19445 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  ، قوله : ( ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين   ) ، هو قول يوسف  لمليكه ، حين أراه الله عذره ، فذكر أنه قد هم بها وهمت به ، فقال يوسف   : ( وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء   ) ، الآية . 
				
						
						
