قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وما أرسلنا ، يا محمد ، من قبلك إلا رجالا لا نساء ولا ملائكة ( نوحي إليهم ) آياتنا ، بالدعاء إلى طاعتنا وإفراد العبادة لنا ( من أهل القرى ) ، يعني : من أهل الأمصار ، دون أهل البوادي ، كما : -
19985 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى ) ، لأنهم كانوا أعلم وأحلم من أهل العمود .
وقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض ) ، يقول تعالى ذكره : أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك ، يا محمد ، ويجحدون نبوتك ، وينكرون ما جئتهم به [ ص: 294 ] من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له ( في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) ، إذ كذبوا رسلنا؟ ألم نحل بهم عقوبتنا ، فنهلكهم بها ، وننج منها رسلنا وأتباعنا ، فيتفكروا في ذلك ويعتبروا؟
ذكر من قال ذلك :
19986 - حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال : قوله : ( ابن جريج وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم ) ، قال : إنهم قالوا : ( ما أنزل الله على بشر من شيء [ سورة الأنعام 91 ] ) ، قال : وقوله : ( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين وما تسألهم عليه من أجر ) [ سورة يوسف : 103 ، 104 ] ، وقوله : ( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها ) [ سورة يوسف : 105 ] ، وقوله : ( أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله ) [ سورة يوسف : 107 ] ، وقوله : ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا ) ، من أهلكنا؟ قال : فكل ذلك قال لقريش : أفلم يسيروا في الأرض فينظروا في آثارهم ، فيعتبروا ويتفكروا؟
وقوله : ( ولدار الآخرة خير ) ، يقول تعالى ذكره : هذا فعلنا في الدنيا بأهل ولايتنا وطاعتنا ، أن عقوبتنا إذا نزلت بأهل معاصينا والشرك بنا ، أنجيناهم منها ، وما في الدار الآخرة لهم خير .
وترك ذكر ما ذكرنا ، اكتفاء بدلالة قوله : ( ولدار الآخرة خير للذين اتقوا ) ، عليه ، وأضيفت " الدار " إلى " الآخرة " ، وهي " الآخرة " ، لاختلاف لفظهما ، كما قيل : ( إن هذا لهو حق اليقين ) ، [ سورة الواقعة : 95 ] ، وكما قيل : [ ص: 295 ] " أتيتك عام الأول ، وبارحة الأولى ، وليلة الأولى ، ويوم الخميس " ، وكما قال : الشاعر :
أتمدح فقعسا وتذم عبسا ألا لله أمك من هجين ولو أقوت عليك ديار عبس
عرفت الذل عرفان اليقين
يعني : عرفانا له يقينا .
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : وللدار الآخرة خير للذين اتقوا الله ، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه .
وقوله : ( أفلا تعقلون ) ، يقول : أفلا يعقل هؤلاء المشركون بالله حقيقة ما نقول لهم ونخبرهم به ، من سوء عاقبة الكفر ، وغب ما يصير إليه حال أهله ، مع ما قد عاينوا ورأوا وسمعوا مما حل بمن قبلهم من الأمم الكافرة المكذبة رسل ربها؟