( بسم الله الرحمن الرحيم )
( رب يسر )
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ( 1 ) )
قال أبو جعفر : قد بينا القول في تأويل قوله ( الر )
و ( المر ) ، ونظائرهما من حروف المعجم التي افتتح بها أوائل بعض سور القرآن ، فيما مضى ، بما فيه الكفاية من إعادتها غير أنا نذكر من الرواية ما جاء خاصا به كل سورة افتتح أولها بشيء منها .
فما جاء من الرواية في ذلك في هذه السورة عن ابن عباس من نقل أبي الضحى مسلم بن صبيح عنه ، التفريق بين معنى ما ابتدئ به أولها ، مع زيادة الميم التي فيها على سائر السور ذوات ( الر ) ومعنى ما ابتدئ به أخواتها مع نقصان ذلك منها عنها . وسعيد بن جبير
ذكر الرواية بذلك عنه : [ ص: 320 ]
20044 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الرحمن ، عن هشيم ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( المر ) قال : أنا الله أرى .
20045 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا شريك ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي الضحى ، عن ابن عباس : قوله : ( المر ) قال : أنا الله أرى .
20046 - حدثني المثنى قال : حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين سفيان ، عن مجاهد : ( المر ) : فواتح يفتتح بها كلامه .
وقوله : ( تلك آيات الكتاب ) يقول تعالى ذكره : تلك التي قصصت عليك خبرها ، آيات الكتاب الذي أنزلته قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك إلى من أنزلته إليه من رسلي قبلك .
وقيل : عنى بذلك : التوراة والإنجيل .
ذكر من قال ذلك :
20047 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( المر تلك آيات الكتاب ) الكتب التي كانت قبل القرآن .
20048 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد : ( تلك آيات الكتاب ) قال : التوراة والإنجيل .
وقوله : ( والذي أنزل إليك من ربك الحق ) [ القرآن ] ، فاعمل بما فيه واعتصم به . [ ص: 321 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
20049 - حدثني المثنى قال : حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين سفيان ، عن مجاهد : ( والذي أنزل إليك من ربك الحق ) قال : القرآن .
20050 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( والذي أنزل إليك من ربك الحق ) أي هذا القرآن .
وفي قوله : ( والذي أنزل إليك ) وجهان من الإعراب :
أحدهما : الرفع ، على أنه كلام مبتدأ ، فيكون مرفوعا ب "الحق" و "الحق" به . وعلى هذا الوجه تأويل مجاهد وقتادة الذي ذكرنا قبل عنهما .
والآخر : الخفض على العطف به على ( الكتاب ) ، فيكون معنى الكلام حينئذ : تلك آيات التوراة والإنجيل والقرآن . ثم يبتدئ ( الحق ) بمعنى : ذلك الحق فيكون رفعه بمضمر من الكلام قد استغني بدلالة الظاهر عليه منه .
ولو قيل : معنى ذلك : تلك آيات الكتاب الذي أنزل إليك من ربك الحق . وإنما أدخلت الواو في "والذي" وهو نعت للكتاب ، كما أدخلها الشاعر في قوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
فعطف ب "الواو" وذلك كله من صفة واحد - كان مذهبا من التأويل . [ ص: 322 ]ولكن ذلك إذا تؤول كذلك فالصواب من القراءة في ( الحق ) الخفض ، على أنه نعت ل ( الذي ) .
وقوله : ( ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ) ولكن أكثر الناس من مشركي قومك لا يصدقون بالحق الذي أنزل إليك من ربك ، ولا يقرون بهذا القرآن وما فيه من محكم آيه .